مَعَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، فَنَزَلَ فَجَلَسَ وَنَحْنُ صِيَامٌ.
وَكَانَتِ الْخَيْلُ قَدْ تَقَطَّعَتْ لِأَنَّهُ رَكِبَ بِغَيْرِ عِلْمِ النَّاسِ، فَعَلِمُوا بَعْدَ مَسِيرِهِ. قَالَ: وَصَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ، وَأَقْبَلَ اللَّيْلُ، وَإِذَا بِفُرْسَانٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمُ الشَّمْعُ مُشْتَعِلًا، مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ لَبُورَةَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْنَ طَرِيقُ لَبُورَةَ؟ فَقُلْتُ: أَرَى عَلَيْهِ فُرْسَانًا وَنِيرَانًا، وَأَنَا دَاهِشٌ لَا أَقِفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، حَتَّى قَرُبَتِ (النِّيرَانُ فَنَظَرْتُ) ، فَإِذَا الْمَازِيَارُ مَعَ الْقُوهِيَارَ، فَنَزَلَا، وَتَقَدَّمَ مَازِيَارُ فَسَلَّمَ عَلَى الْحَسَنِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ لِرَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ: خُذَاهُ إِلَيْكُمَا، فَأَخَذَاهُ، فَلَمَّا كَانَ السَّحَرُ وَجَّهَ الْحَسَنُ مَازِيَارَ مَعَهُمَا إِلَى سَارِيَةَ، وَسَارَ الْحَسَنُ إِلَى هُرْمُزَابَاذَ، فَأَحْرَقَ قَصْرَ مَازْيَارَ، وَنَهَبَ مَالَهُ، وَسَارَ إِلَى خُرَّمَابَاذَ، وَأَخَذَ إِخْوَةَ مَازْيَارَ فَحُبِسُوا هُنَالِكَ، وَوُكِّلُوا بِهِمْ، وَسَارَ إِلَى مَدِينَةِ سَارِيَةَ، فَأَقَامَ بِهَا، وَحُبِسَ مَازِيَارُ.
وَوَصَلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُصْعَبٍ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَسَارَ بِهِ لِيُنَاظِرَهُ فِي مَعْنَى الْمَالِ الَّذِي لِمَازِيَارَ وَأَهْلِهِ، فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، فَأَمَرَ الْحَسَنُ بِتَسْلِيمِ مَازِيَارَ وَأَهْلِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لِيَسِيرَ بِهِمْ إِلَى الْمُعْتَصِمِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَقْصِيَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَيُحْرِزَهَا، فَأَحْضَرَ مَازِيَارَ وَسَأَلَهُ عَنْ أَمْوَالِهِ، فَذَكَرَ أَنَّهَا عِنْدَ خَزَّانِهِ، وَضَمِنَ قُوهِيَارُ ذَلِكَ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ مَازِيَارُ: اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَخَذْتُ مِنْ أَمْوَالِي سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَسَبْعَ عَشْرَةَ قِطْعَةَ زُمُرُّدٍ، وَسِتَّ عَشْرَةَ قِطْعَةَ يَاقُوتٍ، وَثَمَانِيَةَ أَحْمَالٍ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ، وَتَاجٌ، وَسَيْفٌ مُذَهَّبٌ مُجَوْهَرٌ، وَخِنْجَرٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٌ بِالْجَوْهَرِ، وَحُقٌّ كَبِيرٌ مَمْلُوءٌ جَوْهَرًا، قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَدْ سَلَّمْتُ ذَلِكَ إِلَى خَازِنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، وَصَاحِبِ خَبَرِهِ عَلَى الْعَسْكَرِ.
وَكَانَ مَازِيَارُ قَدِ اسْتَخْلَفَ هَذَا لِيُوَصِّلَهُ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ لِيُظْهِرَ لِلنَّاسِ وَالْمُعْتَصِمِ أَنَّهُ آمَنَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَالِهِ، وَوَلَدِهِ، وَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ جِبَالَ أَبِيهِ، فَامْتَنَعَ الْحَسَنُ مِنْ قَبُولِهِ، وَكَانَ أَعَفَّ النَّاسِ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَنْفَذَ الْحَسَنُ مَازِيَارَ إِلَى الْمُعْتَصِمِ مَعَ يَعْقُوبَ بْنِ الْمَنْصُورِ، ثُمَّ أَمَرَ الْحَسَنُ قُوهِيَارَ أَنْ يَأْخُذَ بِغَالَهُ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَالَ مَازِيَارَ، فَأَخَذَهَا، وَأَرَادَ الْحَسَنُ أَنْ يُنْفِذَ مَعَهُ جَيْشًا، فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِمْ.