بُخَارَى، وَأَسَرَ بَشِيرًا أَخَا رَافِعٍ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى الرَّشِيدِ.
ذِكْرُ مَوْتِ الرَّشِيدِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ الرَّشِيدُ أَوَّلَ جُمَادَى الْآخِرَةِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْهُ، وَكَانَتْ قَدِ اشْتَدَّتْ عِلَّتُهُ بِالطَّرِيقِ بِجُرْجَانَ، فَسَارَ إِلَى طُوسَ فَمَاتَ بِهَا.
قَالَ جِبْرَائِيلُ بْنُ بَخْتِيَشُوعَ: كُنْتُ مَعَ الرَّشِيدِ بِالرَّقَّةِ، وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ غَدَاةٍ، أَتَعَرَّفُ حَالَهُ فِي لَيْلَتِهِ، ثُمَّ يُحَدِّثُنِي وَيَنْبَسِطُ إِلَيَّ، وَيَسْأَلُنِي عَنْ أَخْبَارِ الْعَامَّةِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ طَرْفَهُ، وَرَأَيْتُهُ عَابِسًا مُفَكِّرًا مَهْمُومًا، فَوَقَفْتُ مَلِيًّا مِنَ النَّهَارِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ أَقْدَمْتُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَالِهِ، وَمَا سَبَبُهُ، فَقَالَ: إِنَّ فِكْرِي وَهَمِّي لِرُؤْيَا رَأَيْتُهَا فِي لَيْلَتِي هَذِهِ قَدْ أَفْزَعَتْنِي، وَمَلَأَتْ صَدْرِي. فَقُلْتُ: فَرَّجْتَ عَنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ قَبَّلْتُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ، وَقُلْتُ: الرُّؤْيَا إِنَّمَا تَكُونُ لِخَاطِرٍ أَوْ بُخَارَاتٍ رَدِيَّةٍ، وَتَهَاوِيلِ السَّوْدَاءِ، وَهِيَ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ.
قَالَ: فَإِنِّي أَقُصُّهَا عَلَيْكَ، رَأَيْتُ كَأَنِّي جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِي هَذَا، إِذْ بَدَتْ مِنْ تَحْتِي ذِرَاعٌ أَعْرِفُهَا، وَكَفٌّ أَعْرِفُهَا، لَا أَفْهَمُ اسْمَ صَاحِبِهَا، وَفِي الْكَفِّ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ. فَقَالَ لِي قَائِلٌ أَسْمَعُهُ وَلَا أَرَى شَخْصَهُ: هَذِهِ التُّرْبَةُ الَّتِي تُدْفَنُ فِيهَا، فَقُلْتُ: وَأَيْنَ هَذِهِ التُّرْبَةُ؟ قَالَ: طُوسَ، وَغَابَتِ الْيَدُ، وَانْقَطَعَ الْكَلَامُ.
فَقُلْتُ: أَحْسَبُكَ لَمَّا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَكَّرْتَ فِي خُرَاسَانَ، وَمَا وَرَدَ عَلَيْكَ مِنْهَا، وَانْتِفَاضَ بَعْضِهَا، فَذَلِكَ الْفِكْرُ أَوْجَبَ هَذِهِ الرُّؤْيَا.
فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ. فَأَمَرْتُهُ بِاللَّهْوِ وَالِانْبِسَاطِ، فَفَعَلَ، وَنَسِينَا الرُّؤْيَا، وَطَالَتِ الْأَيَّامُ.