وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ وَفَّرَ شَعَرَهُ لِلْحَلْقِ، وَقَدْ نَصَلَ خِضَابُهُ، حَتَّى أَتَيْنَا بِهِ حُفْرَتَهُ.
وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ ارْتَفَعَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ أَنَّ عِيسَى بْنَ مُوسَى أَبَى الْبَيْعَةَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ: وَاللَّهِ لَتُبَايِعَنَّ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ! فَبَايَعَ.
ثُمَّ وَجَّهَ مُوسَى بْنَ الْمَهْدِيِّ وَالرَّبِيعَ إِلَى الْمَهْدِيِّ بِخَبَرِ وَفَاةِ الْمَنْصُورِ، وَبِالْبَيْعَةِ لَهُ مَعَ مَنَارَةَ مَوْلَى الْمَنْصُورِ، وَبَعَثَا أَيْضًا بِالْقَضِيبِ، وَبُرْدَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِخَاتَمِ الْخِلَافَةِ، وَخَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ، فَقَدِمَ الْخَبَرُ عَلَى الْمَهْدِيِّ مَعَ مَنَارَةَ، مُنْتَصَفَ ذِي الْحِجَّةِ، فَبَايَعَهُ أَهْلُ بَغْدَاذَ.
وَقِيلَ: إِنَّ الرَّبِيعَ كَتَمَ مَوْتَ الْمَنْصُورِ، وَأَلْبَسَهُ، وَسَنَّدَهُ، وَجَعَلَ عَلَى وَجْهِهِ كَلَّةً خَفِيفَةً يُرَى شَخْصُهُ مِنْهَا، وَلَا يُفْهَمُ أَمْرُهُ، وَأَدْنَى أَهْلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ قَرَّبَ مِنْهُ الرَّبِيعَ كَأَنَّهُ يُخَاطِبُهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُمْ عَنْهُ بِتَجْدِيدِ الْبَيْعَةِ لِلْمَهْدِيِّ، فَبَايَعُوا، ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ، وَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بَاكِيًا مُشَقَّقَ الْجَيْبِ، لَاطِمًا رَأْسَهُ.
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَهْدِيَّ أَنْكَرَهُ عَلَى الرَّبِيعِ، وَقَالَ: أَمَا مَنَعَتْكَ جَلَالَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ فَعَلْتَ بِهِ مَا فَعَلْتَ؟ وَقِيلَ ضَرَبَهُ، وَلَمْ يُضْحِ ضَرْبَهُ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ الْمَنْصُورُ الْمُسَيَّبَ بْنَ زُهَيْرٍ عَنْ شُرْطَتِهِ، وَحَبَسَهُ مُقَيَّدًا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ ضَرَبَ أَبَانَ بْنَ بَشِيرٍ الْكَاتِبَ بِالسِّيَاطِ، حَتَّى قَتَلَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ شَرِيكَ أَخِيهِ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ فِي وِلَايَةِ الْكُوفَةِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى شُرْطَتِهِ الْحَكَمَ بْنَ يُوسُفَ، صَاحِبَ الْحِرَابِ، ثُمَّ كَلَّمَ الْمَهْدِيُّ أَبَاهُ فِي الْمُسَيَّبِ، فَرَضِيَ عَنْهُ، وَأَعَادَهُ إِلَى شُرْطَتِهِ.
وَفِيهَا اسْتَعْمَلَ الْمَنْصُورُ نَصْرَ بْنَ حَرْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى فَارِسَ.
وَفِيهَا عَادَ الْمَهْدِيُّ مِنَ الرَّقَّةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.