وَلَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، قَالَ يَزِيدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ: مَا رَأَيْتُ رُجَلًا قَطُّ فِي حَرْبٍ، وَلَا سَمِعْتُ بِهِ فِي سِلْمٍ أَنْكَرَ، وَلَا أَمْكَرَ، وَلَا أَشَدَّ تَيَقُظًّا مِنَ الْمَنْصُورِ.
لَقَدْ حَصَرَنِي تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَمَعِي فُرْسَانُ الْعَرَبِ، فَجَهَدْنَا بِكُلِّ الْجُهْدِ أَنْ نَنَالَ مِنْ عَسْكَرِهِ شَيْئًا، فَمَا تَهَيَّأَ، وَلَقَدْ حَصَرَنِي وَمَا فِي رَأْسِي شَعْرَةٌ بَيْضَاءُ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَمَا فِي رَأْسِي شَعْرَةٌ سَوْدَاءُ.
قِيلَ: وَأَرْسَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى الْمَنْصُورِ، وَهُوَ مُحَاصِرُهُ، يَدْعُو إِلَى الْمُبَارَزَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ مُتَعَدٍّ طَوْرَكَ، جَارٍ فِي عِنَانِ غَيِّكَ، يَعِدُكَ اللَّهُ مَا هُوَ مُصَدِّقُهُ، وَيُمَنِّيكَ الشَّيْطَانُ مَا هُوَ مُكَذِّبُهُ، وَيُقَرِّبُ مَا اللَّهُ مُبَاعِدُهُ، فَرُوَيْدًا يُتِمُّ الْكِتَابَ أَجَلَهُ.، وَقَدْ ضَرَبْتُ مَثَلِي وَمَثَلَكَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَسَدًا لَقِيَ خِنْزِيرًا، فَقَالَ لَهُ الْخِنْزِيرُ: قَاتِلْنِي! فَقَالَ الْأَسَدُ: إِنَّمَا أَنْتَ خِنْزِيرٌ، وَلَسْتَ بِكُفْؤٍ لِي وَلَا نَظِيرٍ، وَمَتَى قَاتَلْتُكَ فَقَتَلْتُكَ قِيلَ لِي: قَتَلَ خِنْزِيرًا، فَلَا أَعْتَقِدُ فَخْرًا، وَلَا ذِكْرًا، وَإِنْ نَالَنِي مِنْكَ شَيْءٌ كَانَ سُبَّةً عَلَيَّ. فَقَالَ الْخِنْزِيرُ: إِنْ لَمْ تَفْعَلْ أَعْلَمْتُ السِّبَاعَ أَنَّكَ نَكَلْتَ عَنِّي، فَقَالَ الْأَسَدُ: احْتِمَالُ عَارِ كَذِبِكَ عَلَيَّ أَيْسَرُ مِنْ لَطْخِ شَرَابِي بِدَمِكَ.
قِيلَ: وَكَانَ الْمَنْصُورُ أَوَّلَ مَنْ عَمِلَ الْخَيْشَ، فَإِنَّ الْأَكَاسِرَةَ كَانُوا يُطَيِّنُونَ كُلَّ يَوْمٍ بَيْتًا يَسْكُنُونَ فِي الصَّيْفِ، وَكَذَلِكَ بَنُو أُمَيَّةَ.
قِيلَ: وَأُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ، فَاصْدُقْنِي وَلَكَ الْأَمَانُ. قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: مِنْ أَيْنَ أُتِيَ بَنُو أُمَيَّةَ؟ قَالَ: مِنْ تَضْيِيعِ الْأَخْبَارِ. قَالَ: فَأَيُّ الْأَمْوَالِ وَجَدُوهَا أَنْفَعَ؟ قَالَ: الْجَوْهَرُ. قَالَ: فَعِنْدَ مَنْ وَجَدُوا الْوَفَاءَ؟ قَالَ: عِنْدَ مَوَالِيهِمْ، فَأَرَادَ الْمَنْصُورُ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي الْأَخْبَارِ بِأَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ: اضَعُ مِنْهُمْ، فَاسْتَعَانَ بِمَوَالِيهِ.
ذِكْرُ خِلَافَةِ الْمَهْدِيِّ وَالْبَيْعَةِ لَهُ
ذِكْرُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الْبَصْرَةِ حَاجًّا، فَاجْتَمَعْتُ بِالْمَنْصُورِ بِذَاتِ عِرْقٍ، فَكُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَيْهِ كُلَّمَا رَكِبَ، وَقَدْ أَشَفَى عَلَى الْمَوْتِ، فَلَمَّا صَارَ