آتِي الْعِرَاقَ. قَالَ: فَأَنَا مَعَكَ.

فَانْهَزَمُوا وَتَرَكُوا عَسْكَرَهُمْ، فَحَوَاهُ أَبُو مُسْلِمٍ وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الْمَنْصُورِ، فَأَرْسَلَ أَبَا الْخَصِيبِ مَوْلَاهُ يُحْصِي مَا أَصَابُوا مِنَ الْعَسْكَرِ، فَغَضِبَ أَبُو مُسْلِمٍ.

وَمَضَى عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الصَّمَدِ ابْنَا عَلِيٍّ، فَأَمَّا عَبْدُ الصَّمَدِ فَقَدِمَ الْكُوفَةَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى فَآمَنَهُ الْمَنْصُورُ، وَقِيلَ: بَلْ أَقَامَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ بِالرُّصَافَةِ حَتَّى قَدِمَهُ جُمْهُورُ بْنُ مِرَّارٍ الْعِجْلِيُّ فِي خُيُولٍ أَرْسَلَهَا الْمَنْصُورُ، فَأَخَذَهُ فَبَعَثَ بِهِ إِلَى الْمَنْصُورِ مُوَثَّقًا مَعَ أَبِي الْخَصِيبِ فَأَطْلَقَهُ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ فَأَتَى أَخَاهُ سُلَيْمَانَ بْنَ عَلِيٍّ بِالْبَصْرَةِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ زَمَانًا مُتَوَارِيًا.

ثُمَّ إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ آمَنَ النَّاسَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، وَأَمَرَ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ.

ذِكْرُ قَتْلِ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَتَلَهُ الْمَنْصُورُ.

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ كَتَبَ إِلَى السَّفَّاحِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْحَجِّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَتَبَ السَّفَّاحُ إِلَى الْمَنْصُورِ وَهُوَ عَلَى الْجَزِيرَةِ وَإِرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ: إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ كَتَبَ إِلَيَّ يَسْتَأْذِنُنِي فِي الْحَجِّ، وَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَنِي أَنْ أُوَلِّيَهُ الْمَوْسِمَ، فَاكْتُبْ إِلَيَّ تَسْتَأْذِنُنِي فِي الْحَجِّ فَآذَنُ لَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ بِمَكَّةَ لَمْ يَطْمَعْ أَنْ يَتَقَدَّمَكَ.

فَكَتَبَ الْمَنْصُورُ إِلَى أَخِيهِ السَّفَّاحِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْحَجِّ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَدِمَ الْأَنْبَارَ، فَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: أَمَا وَجَدَ أَبُو جَعْفَرٍ عَامًا يَحُجُّ فِيهِ غَيْرَ هَذَا؟ وَحَقَدَهَا عَلَيْهِ، وَحَجَّا مَعًا، فَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ يَكْسُو الْأَعْرَابَ، وَيُصْلِحُ الْآبَارَ وَالطَّرِيقَ، وَكَانَ الذِّكْرُ لَهُ، وَكَانَ الْأَعْرَابُ يَقُولُونَ: هَذَا الْمَكْذُوبُ عَلَيْهِ.

فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ وَرَأَى أَهْلَ الْيَمَنِ قَالَ: أَيُّ جُنْدٍ هَؤُلَاءِ لَوْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ ظَرِيفُ اللِّسَانِ غَزِيرُ الدَّمْعَةِ! .

فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ عَنِ الْمَوْسِمِ تَقَدَّمَ أَبُو مُسْلِمٍ فِي الطَّرِيقِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَأَتَاهُ خَبَرُ وَفَاةِ السَّفَّاحِ، فَكَتَبَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ يُعَزِّيهِ عَنْ أَخِيهِ، وَلَمْ يُهَنِّئْهُ بِالْخِلَافَةِ، وَلَمْ يَقُمْ حَتَّى يَلْحَقَهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ.

فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا غَلِيظًا، فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ كَتَبَ إِلَيْهِ يُهَنِّئُهُ بِالْخِلَافَةِ. وَتَقَدَّمَ أَبُو مُسْلِمٍ، فَأَتَى الْأَنْبَارَ، فَدَعَا عِيسَى بْنَ مُوسَى إِلَى أَنْ يُبَايِعَ لَهُ، فَأَتَى عِيسَى، وَقَدِمَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَخَلَعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ.

فَسَيَّرَ الْمَنْصُورُ أَبَا مُسْلِمٍ إِلَى قِتَالِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ مَكَانًا، مَعَ الْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ، فَأَرْسَلَ الْحَسَنُ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ وَزِيرِ الْمَنْصُورِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015