أَبِي مُسْلِمٍ الَّذِي كَانَ بِهِ، فَاقْتَتَلُوا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، وَأَهْلُ الشَّامِ أَكْثَرُ فُرْسَانًا وَأَكْمَلُ عُدَّةً، وَعَلَى مَيْمَنَةِ عَبْدِ اللَّهِ بَكَّارُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعُقَيْلِيُّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ حَبِيبُ بْنُ سُوَيْدٍ الْأَسَدِيُّ، وَعَلَى الْخَيْلِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ، وَعَلَى مَيْمَنَةِ أَبِي مُسْلِمٍ الْحَسَنُ بْنُ قَحْطَبَةَ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ خَازِمُ بْنُ خُزَيْمَةَ، فَاقْتَتَلُوا شَهْرًا.
ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ حَمَلُوا عَلَى عَسْكَرِ أَبِي مُسْلِمٍ فَأَزَالُوهُمْ عَنْ مَوَاضِعِهِمْ وَرَجَعُوا، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ فِي خَيْلٍ مُجَرَّدَةٍ فَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَرَجَعَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ تَجَمَّعُوا وَحَمَلُوا ثَانِيَةً عَلَى أَصْحَابِ أَبِي مُسْلِمٍ، فَأَزَالُوا صَفَّهُمْ، وَجَالُوا جَوْلَةً.
فَقِيلَ لِأَبِي مُسْلِمٍ: لَوْ حَوَّلْتَ دَابَّتَكَ إِلَى هَذَا التَّلِّ لِيَرَاكَ النَّاسُ فَيَرْجِعُوا فَإِنَّهُمْ قَدِ انْهَزَمُوا. فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْحِجَى لَا يَعْطِفُونَ دَوَابَّهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ. وَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: يَا أَهْلَ خُرَاسَانَ ارْجِعُوا فَإِنَّ الْعَاقِبَةَ لِمَنِ اتَّقَى. فَتَرَاجَعَ النَّاسُ.
وَارْتَجَزَ أَبُو مُسْلِمٍ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ:
مَنْ كَانَ يَنْوِي أَهْلَهُ فَلَا رَجَعْ ... فَرَّ مِنَ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ وَقَعْ.
وَكَانَ قَدْ عُمِلَ لِأَبِي مُسْلِمٍ عَرِيشٌ، فَكَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ إِذَا الْتَقَى النَّاسُ فَيَنْظُرُ إِلَى الْقِتَالِ، فَإِنْ رَأَى خَلَلًا فِي الْجَيْشِ سَدَّهُ وَأَمَرَ مُقَدَّمَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ بِالِاحْتِيَاطِ وَبِمَا يَفْعَلُ، فَلَا تَزَالُ رُسُلُهُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ الْتَقَوْا فَاقْتَتَلُوا، فَمَكَرَ بِهِمْ أَبُو مُسْلِمٍ، وَأَمَرَ الْحَسَنَ بْنَ قَحْطَبَةَ أَنْ يُعَرِّيَ الْمَيْمَنَةَ، [وَيَضُمَّ] أَكْثَرَهَا إِلَى الْمَيْسَرَةِ وَلْيَتْرُكْ، فِي الْمَيْمَنَةِ جَمَاعَةَ أَصْحَابِهِ وَأَشِدَّاءَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الشَّامِ أَعْرَوْا مَيْسَرَتَهُمْ، وَانْضَمُّوا إِلَى مَيْمَنَتِهِمْ بِإِزَاءِ مَيْسَرَةِ أَبِي مُسْلِمٍ.
وَأَمَرَ أَبُو مُسْلِمٍ أَهْلَ الْقَلْبِ أَنْ يَحْمِلُوا مَعَ مَنْ بَقِيَ فِي مَيْمَنَتِهِ عَلَى مَيْسَرَةِ أَهْلِ الشَّامِ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ فَحَطَّمُوهُمْ، وَجَالَ الْقَلْبُ وَالْمَيْمَنَةُ، وَرَكِبَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ لِابْنِ سُرَاقَةَ الْأَزْدِيِّ: يَا ابْنَ سُرَاقَةَ مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَصْبِرَ وَتُقَاتِلَ حَتَّى تَمُوتَ، فَإِنَّ الْفِرَارَ قَبِيحٌ بِمِثْلِكَ، وَقَدْ عِبْتَهُ عَلَى مَرْوَانَ. قَالَ: فَإِنِّي