عَلِيٍّ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُنِي، فَقُلْتُ: لَفَظَتْنِي الْبِلَادُ إِلَيْكَ، وَدَلَّنِي فَضْلُكَ عَلَيْكَ، فَإِمَّا قَتَلْتَنِي فَاسْتَرَحْتُ، وَإِمَّا رَدَدْتَنِي سَالِمًا فَأَمِنْتُ.
فَقَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ فَعَرَّفْتُهُ نَفْسِي، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ، مَا حَاجَتُكَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ الْحُرَمَ اللَّوَاتِي أَنْتَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِنَّ، وَأَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِنَّ، قَدْ خِفْنَ لِخَوْفِنَا، وَمَنْ خَافَ خِيفَ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَبَكَى كَثِيرًا ثُمَّ قَالَ: يَحْقِنُ اللَّهُ دَمَكَ وَيُوَفِّرُ مَالَكَ وَيَحْفَظُ حُرَمَكَ.
ثُمَّ كَتَبَ إِلَى السَّفَّاحِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ قَدْ وَفَدَ وَافِدٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَيْنَا، وَإِنَّا إِنَّمَا قَتَلْنَاهُمْ عَلَى عُقُوقِهِمْ لَا عَلَى أَرْحَامِهِمْ، فَإِنَّنَا يَجْمَعُنَا وَإِيَّاهُمْ عَبْدُ مَنَافٍ، وَالرَّحِمُ تُبَلُّ وَلَا تُقْتَلُ، وَتُرْفَعُ وَلَا تُوضَعُ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَهَبَهُمْ لِي فَلْيَفْعَلْ، وَإِنْ فَعَلَ فَلْيَجْعَلْ كِتَابًا عَامًّا إِلَى الْبُلْدَانِ، نَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ عِنْدَنَا، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْنَا. فَأَجَابَهُ إِلَى مَا سَأَلَ، فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ أَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ.
ذِكْرُ خَلْعِ حَبِيبِ بْنِ مُرَّةَ الْمُرِّيِّ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَيَّضَ حَبِيبُ بْنُ مُرَّةَ الْمُرِّيُّ، وَخَلَعَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَثَنِيَّةِ وَحَوْرَانَ، وَكَانَ خَلْعُهُمْ قَبْلَ خَلْعِ أَبِي الْوَرْدِ، فَسَارَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ وَقَاتَلَهُ دَفَعَاتٍ، وَكَانَ حَبِيبٌ مِنْ قُوَّادِ مَرْوَانَ وَفُرْسَانِهِ.
وَكَانَ سَبَبُ تَبْيِيضِهِ الْخَوْفَ عَلَى نَفْسِهِ وَقَوْمِهِ، فَبَايَعَتْهُ قَيْسٌ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَلِيهِمْ. فَلَمَّا بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ خُرُوجُ أَبِي الْوَرْدِ وَتَبْيِيضُهُ، دَعَا حَبِيبًا إِلَى الصُّلْحِ، فَصَالَحَهُ وَآمَنَهُ مَعَهُ، وَسَارَ نَحْوَ أَبِي الْوَرْدِ.
ذِكْرُ خَلْعِ أَبِي الْوَرْدِ وَأَهْلِ دِمَشْقَ
وَفِيهَا خَلَعَ أَبُو الْوَرْدِ مِجْزَاةُ بْنُ الْكَوْثَرِ بْنِ زُفَرَ بْنِ الْحَارِثِ الْكِلَابِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مَرْوَانَ وَقُوَّادِهِ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَرْوَانَ لَمَّا انْهَزَمَ قَامَ أَبُو الْوَرْدِ بِقِنَّسْرِينَ، فَقَدِمَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ، فَبَايَعَهُ أَبُو الْوَرْدِ، وَدَخَلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ جُنْدُهُ، وَكَانَ وَلَدُ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مُجَاوِرِينَ لَهُ بِبَالِسَ وَالنَّاعُورَةِ، فَقَدِمَ بَالِسَ قَائِدٌ مِنْ قُوَّادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ، فَبَعَثَ بِوَلَدِ مَسْلَمَةَ وَنِسَائِهِمْ، فَشَكَا بَعْضُهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَبِي الْوَرْدِ، فَخَرَجَ مِنْ مَزْرَعَةٍ [لَهُ] يُقَالُ لَهَا