فَكَانَ عِيسَى بْنُ مُوسَى يَقُولُ إِذَا ذَكَرَ خُرُوجَهُمْ مِنَ الْحُمَيْمَةِ يُرِيدُونَ الْكُوفَةَ: إِنَّ نَفَرًا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا خَرَجُوا مِنْ دَارِهِمْ وَأَهْلِهِمْ يَطْلُبُونَ مَا طَلَبْنَا لَعَظِيمَةٌ هِمَّتُهُمْ، كَبِيرَةٌ أَنْفُسُهُمْ، شَدِيدَةٌ قُلُوبُهُمْ.

ذِكْرُ هَزِيمَةِ مَرْوَانَ بِالزَّابِ

قَدْ ذَكَرْنَا أَنْ قَحْطَبَةَ أَرْسَلَ أَبَا عَوْنٍ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ يَزِيدَ الْأَزْدِيَّ إِلَى شَهْرَزُورَ، وَأَنَّهُ قَتَلَ عُثْمَانَ بْنَ سُفْيَانَ، وَأَقَامَ بِنَاحِيَةِ الْمَوْصِلِ، وَأَنَّ مَرْوَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ سَارَ إِلَيْهِ مِنْ حَرَّانَ حَتَّى بَلَغَ الزَّابَ، وَحَفَرَ خَنْدَقًا، وَكَانَ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ، وَسَارَ أَبُو عَوْنٍ إِلَى الزَّابِ، فَوَجَّهَ أَبُو سَلَمَةَ إِلَى أَبِي عَوْنٍ عُيَيْنَةَ بْنَ مُوسَى، وَالْمِنْهَالَ بْنَ فَتَّانٍ، وَإِسْحَاقَ بْنَ طَلْحَةَ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ.

فَلَمَّا ظَهَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ بَعَثَ سَلَمَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ فِي أَلْفَيْنِ، وَعَبْدَ اللَّهِ الطَّائِيَّ فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَعَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ رِبْعِيٍّ الطَّائِيَّ فِي أَلْفَيْنِ، وَوِدَاسَ بْنَ نَضْلَةَ فِي خَمْسِمِائَةٍ إِلَى أَبِي عَوْنٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَسِيرُ إِلَى مَرْوَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ: أَنَا. فَسَيَّرَهُ إِلَى أَبِي عَوْنٍ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، فَتَحَوَّلَ أَبُو عَوْنٍ عَنْ سُرَادِقِهِ، وَخَلَّاهُ لَهُ وَمَا فِيهِ.

فَلَمَّا كَانَ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مَخَاضَةٍ فَدُلَّ عَلَيْهَا بِالزَّابِ، فَأَمَرَ عُيَيْنَةَ بْنَ مُوسَى، فَعَبَرَ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ، فَانْتَهَى إِلَى عَسْكَرِ مَرْوَانَ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَمْسَوْا، وَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ.

وَأَصْبَحَ مَرْوَانُ فَعَقَدَ الْجِسْرَ وَعَبَرَ عَلَيْهِ، فَنَهَاهُ وُزَرَاؤُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَسَيَّرَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ، فَنَزَلَ أَسْفَلَ مِنْ عَسْكَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ، فَبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُخَارِقَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ نَحْوَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ، فَسَرَّحَ إِلَيْهِ ابْنُ مَرْوَانَ الْوَلِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَالْتَقَيَا، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ الْمُخَارِقِ، وَثَبَتَ هُوَ، فَأُسِرَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى مَرْوَانَ مَعَ رُءُوسِ الْقَتْلَى.

فَقَالَ مَرْوَانُ: أَدْخِلُوا عَلَيَّ رَجُلًا مِنَ الْأَسْرَى. فَأَتَوْهُ بِالْمُخَارِقِ، وَكَانَ نَحِيفًا. فَقَالَ: أَنْتَ الْمُخَارِقُ؟ قَالَ: لَا، أَنَا عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ. قَالَ: فَتَعْرِفُ الْمُخَارِقَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْظُرْ هَلْ تَرَاهُ فِي هَذِهِ الرُّءُوسِ. فَنَظَرَ إِلَى رَأْسٍ مِنْهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015