أَيُّهَا النَّاسُ! الْآنَ أَقْشَعَتْ حَنَادِسُ الدُّنْيَا، وَانْكَشَفَ غِطَاؤُهَا، وَأَشْرَقَتْ أَرْضُهَا وَسَمَاؤُهَا، وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَطْلَعِهَا، وَبَزَغَ الْقَمَرُ مِنْ مَبْزَغِهِ، وَأَخَذَ الْقَوْسَ بَارِيهَا، وَعَادَ السَّهْمُ إِلَى مَنْزَعِهِ، وَرَجَعَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ فِي أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ، أَهْلِ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ بِكُمْ، وَالْعَطْفِ عَلَيْكُمْ.
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّا وَاللَّهِ مَا خَرَجْنَا فِي طَلَبِ هَذَا الْأَمْرِ لِنُكْثِرَ لُجَيْنًا، وَلَا عِقْيَانًا، وَلَا نَحْفِرُ نَهْرًا، وَلَا نَبْنِيَ قَصْرًا، وَإِنَّمَا أَخْرَجَتْنَا الْأَنَفَةُ مِنَ ابْتِزَازِهِمْ حَقَّنَا، وَالْغَضَبُ لِبَنِي عَمِّنَا، وَمَا كَرِهْنَا مِنْ أُمُورِكُمْ، فَلَقَدْ كَانَتْ أُمُورُكُمْ تُرْمِضُنَا وَنَحْنُ عَلَى فُرُشِنَا، وَيَشْتَدُّ عَلَيْنَا سُوءُ سِيرَةِ بَنِي أُمَيَّةَ فِيكُمْ، وَاسْتِنْزَالُهُمْ لَكُمْ، وَاسْتِئْثَارُهُمْ بِفَيْئِكُمْ وَصَدَقَاتِكُمْ وَمَغَانِمِكُمْ عَلَيْكُمْ.
لَكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِمَّةُ الْعَبَّاسِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَلَيْنَا أَنْ نَحْكُمَ فِيكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَنَعْمَلَ فِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَنَسِيرَ فِي الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
تَبًّا تَبًّا لِبَنِي حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ وَبَنِي مَرْوَانَ! آثَرُوا فِي مُدَّتِهِمُ الْعَاجِلَةَ عَلَى الْآجِلَةِ، وَالدَّارَ الْفَانِيَةَ عَلَى الدَّارِ الْبَاقِيَةِ، فَرَكِبُوا الْآثَامَ، وَظَلَمُوا الْأَنَامَ، وَانْتَهَكُوا الْمَحَارِمَ، وَغَشُوا بِالْجَرَائِمِ، وَجَارُوا فِي سِيرَتِهِمْ فِي الْعِبَادِ، وَسُنَّتِهِمْ فِي الْبِلَادِ، وَمَرِحُوا فِي أَعِنَّةِ الْمَعَاصِي، وَرَكَضُوا فِي مَيْدَانِ الْغَيِّ جَهْلًا بِاسْتِدْرَاجِ اللَّهِ، وَأَمْنًا لِمَكْرِ اللَّهِ، فَأَتَاهُمْ بَأْسُ اللَّهِ بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، فَأَصْبَحُوا أَحَادِيثَ، وَمُزِّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ، فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَأَدَالَنَا اللَّهُ مِنْ مَرْوَانَ، وَقَدْ غَرَّهُ بِاللَّهِ الْغَرُورُ، وَأَرْسَلَ لِعَدُوِّ اللَّهِ فِي عِنَانِهِ حَتَّى عَثَرَ فِي فَضْلِ خِطَامِهِ، أَظَنَّ عَدُوُّ اللَّهِ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى حِزْبَهُ، وَجَمَعَ مَكَايِدَهُ وَرَمَى بِكَتَائِبِهِ، فَوَجَدَ أَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَبَأْسِهِ وَنِقْمَتِهِ مَا أَمَاتَ بَاطِلَهُ، وَمَحَا