بَعْدَ جَهَالَتِهِمْ، وَأَنْقَذَهُمْ بَعْدَ هَلَكَتِهِمْ، وَأَظْهَرَ بِنَا الْحَقَّ، وَدَحَضَ الْبَاطِلَ، وَأَصْلَحَ بِنَا مِنْهُمْ مَا كَانَ فَاسِدًا، وَرَفَعَ بِنَا الْخَسِيسَةَ، وَتَمَّمَ بِنَا النَّقِيصَةَ، وَجَمَعَ الْفُرْقَةَ حَتَّى عَادَ النَّاسُ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ أَهْلَ التَّعَاطُفِ وَالْبِرِّ وَالْمُوَاسَاةِ فِي دُنْيَاهُمْ، وَإِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ فِي آخِرَتِهِمْ.

فَتَحَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنَّةً وَمِنْحَةً لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ قَامَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ أَصْحَابُهُ، وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ، فَحَوَوْا مَوَارِيثَ الْأُمَمِ، فَعَدَلُوا فِيهَا وَوَضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا، وَأَعْطَوْهَا أَهْلَهَا، وَخَرَجُوا خِمَاصًا مِنْهَا.

ثُمَّ وَثَبَ بَنُو حَرْبٍ وَبَنُو مَرْوَانَ فَابْتَزُّوهَا وَتَدَاوَلُوهَا، فَجَارُوا فِيهَا، وَاسْتَأْثَرُوا بِهَا، وَظَلَمُوا أَهْلَهَا بِمَا أَمْلَى اللَّهُ لَهُمْ حِينًا حَتَّى آسَفُوهُ، فَلَمَّا آسَفُوهُ انْتَقَمَ مِنْهُمْ بِأَيْدِينَا، وَرَدَّ عَلَيْنَا حَقَّنَا، وَتَدَارَكَ بِنَا أُمَّتَنَا، وَوَلِيَ نَصْرَنَا وَالْقِيَامَ بِأَمْرِنَا، لِيَمُنَّ بِنَا عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ، وَخَتَمَ بِنَا كَمَا افْتَتَحَ بِنَا.

وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَأْتِيَكُمُ الْجَوْرُ مِنْ حَيْثُ جَاءَكُمُ الْخَيْرُ، وَلَا الْفَسَادُ مِنْ حَيْثُ جَاءَكُمُ الصَّلَاحُ، وَمَا تَوْفِيقُنَا (أَهْلَ الْبَيْتِ) إِلَّا بِاللَّهِ.

يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَنْتُمْ مَحَلُّ مَحَبَّتِنَا وَمَنْزِلُ مَوَدَّتِنَا، أَنْتُمُ الَّذِينَ لَمْ تَتَغَيَّرُوا عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُثْنِكُمْ عَنْهُ تَحَامُلُ أَهْلِ الْجَوْرِ عَلَيْكُمْ حَتَّى أَدْرَكْتُمْ زَمَانَنَا، وَأَتَاكُمُ اللَّهُ بِدَوْلَتِنَا، فَأَنْتُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِنَا، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْنَا، وَقَدْ زِدْتُكُمْ فِي أُعْطِيَّاتِكُمْ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَاسْتَعِدُّوا فَأَنَا السَّفَّاحُ الْمُبِيحُ، وَالثَّائِرُ الْمُبِيرُ.

وَكَانَ مَوْعُوكًا فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَعْكُ. فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَامَ عَمُّهُ دَاوُدُ عَلَى مَرَاقِي الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، شُكْرًا لِلَّذِي أَهْلَكَ عَدُوَّنَا، وَأَصَارَ إِلَيْنَا مِيرَاثَنَا مِنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015