وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ خَبَرَ الدُّعَاةِ، وَخَبَرَ أَبِي مُسْلِمٍ، وَقَبْضَ مَرْوَانَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ مَرْوَانُ لَمَّا أَرْسَلَ الْمَقْبُوضَ عَلَيْهِ وَصَفَ لِلرَّسُولِ صِفَةَ أَبِي الْعَبَّاسِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَجِدُ فِي الْكُتُبِ: إِنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ يَقْتُلُهُمْ وَيَسْلُبُهُمْ مُلْكَهُمْ! وَقَالَ لَهُ لِيَأْتِيَهُ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ.
فَقَدِمَ الرَّسُولُ فَأَخَذَ أَبَا الْعَبَّاسِ بِالصِّفَةِ، فَلَمَّا ظَهَرَ إِبْرَاهِيمُ وَأَمِنَ، قِيلَ لِلرَّسُولِ: إِنَّمَا أُمِرْتَ بِإِبْرَاهِيمَ وَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ. فَتَرَكَ أَبَا الْعَبَّاسِ، وَأَخَذَ إِبْرَاهِيمَ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَرْوَانَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: لَيْسَ هَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي وَصَفْتُ لَكَ.
فَقَالُوا: قَدْ رَأَيْنَا الصِّفَةَ الَّتِي وَصَفْتَ، وَإِنَّمَا سَمَّيْتَ إِبْرَاهِيمَ فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ.
فَأَمَرَ بِهِ فَحُبِسَ، وَأَعَادَ الرُّسُلَ فِي طَلَبِ أَبِي الْعَبَّاسِ فَلَمْ يَرَوْهُ.
وَكَانَ سَبَبُ مَسِيرِهِ مِنَ الْحُمَيْمَةِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أَخَذَهُ الرَّسُولُ نَعَى نَفْسَهُ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْكُوفَةِ مَعَ أَخِيهِ أَبِي الْعَبَّاسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَبِالسَّمْعِ لَهُ وَبِالطَّاعَةِ، وَأَوْصَى إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ.
(وَجَعَلَهُ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ، فَسَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ) وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، مِنْهُمْ: أَخُوهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْمَامُهُ دَاوُدُ، وَعِيسَى، وَصَالِحٌ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بَنُو عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَمِّهِ دَاوُدُ، وَابْنُ أَخِيهِ عِيسَى بْنُ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَيَحْيَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ تَمَّامِ بْنِ عَبَّاسٍ، حَتَّى قَدِمُوا الْكُوفَةَ فِي صَفَرٍ، وَشِيعَتُهُمْ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ بِحَمَّامِ أَعْيَنَ، فَأَنْزَلَهُمْ أَبُو سَلَمَةَ الْخَلَّالُ دَارَ الْوَلِيدِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي بَنِي أَوْدٍ، وَكَتَمَ أَمْرَهُمْ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً مِنْ جَمِيعِ الْقُوَّادِ وَالشِّيعَةِ.
وَأَرَادَ فِيمَا ذُكِرَ أَنْ يُحَوِّلَ الْأَمْرَ إِلَى آلِ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ عَنْ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْجَهْمِ: مَا فَعَلَ الْإِمَامُ؟ قَالَ: لَمْ يَقْدَمُ [بَعْدُ] . فَأَلَحَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا وَقْتَ خُرُوجِهِ، لِأَنَّ وَاسِطًا لَمْ تُفْتَحْ بَعْدُ.
وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْإِمَامِ يَقُولُ: لَا تَعْجَلُوا. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ حَتَّى دَخَلَ أَبُو حُمَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحِمْيَرِيُّ مِنْ حَمَّامِ أَعْيَنَ يُرِيدُ الْكُنَاسَةَ، فَلَقِيَ خَادِمًا لِإِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ يُقَالُ لَهُ سَابِقٌ الْخَوَارِزْمِيُّ، فَعَرَفَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ إِبْرَاهِيمُ