يَقْبَلُ، (فَقَالَ لَهُ نَصْرٌ: فَابْدَأْ بِالْكَرْمَانِيِّ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَأَنَا فِي طَاعَتِكَ. فَلَمْ يَقْبَلْ) .
ثُمَّ تَرَاضَيَا بِأَنْ حَكَّمَا جَهْمَ بْنَ صَفْوَانَ وَمُقَاتِلَ بْنَ حَيَّانَ، فَحَكَمَا بِأَنْ يَعْتَزِلَ نَصْرٌ، وَأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ شُورَى، فَلَمْ يَقْبَلْ نَصْرٌ. فَخَالَفَهُ الْحَارِثُ وَاتَّهَمَ نَصْرٌ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَاتَبُوا الْحَارِثَ فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ فَقَبِلَ عُذْرَهُمْ.
وَقَدِمَ عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ حِينَ سَمِعُوا بِالْفِتْنَةِ، مِنْهُمْ: عَاصِمُ بْنُ عُمَيْرٍ الصُّرَيْمِيُّ، وَأَبُو الذَّيَّالِ النَّاجِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُمْ، وَأَمَرَ الْحَارِثُ أَنْ تُقْرَأَ سِيرَتُهُ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ وَعَلَى بَابِ نَصْرٍ، فَقُرِئَتْ، فَأَتَاهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقَرَأَهَا رَجُلٌ عَلَى بَابِ نَصْرٍ، فَضَرَبَهُ غِلْمَانُ نَصْرٍ، فَنَابَذَهُمُ الْحَارِثُ وَتَجَهَّزُوا لِلْحَرْبِ، وَدَلَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ الْحَارِثَ عَلَى نَقْبٍ فِي سُورِهَا، فَمَضَى الْحَارِثُ إِلَيْهِ فَنَقَبَهُ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ مِنْ نَاحِيَةِ بَابِ بَالِينَ، فَقَاتَلَهُمْ جَهْمُ بْنُ مَسْعُودٍ النَّاجِيُّ فَقُتِلَ جَهْمٌ، (وَانْتَهَبُوا مَنْزِلَ سَالِمِ بْنِ أَحْوَزَ) وَقَتَلُوا مَنْ كَانَ يَحْرُسُ بَابَ بَالِينَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ. وَعَدَلَ الْحَارِثُ فِي سِكَّةِ السُّغْدِ، فَرَأَى أَعْيَنَ مَوْلَى حَيَّانَ، فَقَاتَلَهُ فَقُتِلَ أَعْيَنُ.
وَرَكِبَ سَالِمٌ حِينَ أَصْبَحَ وَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ. فَلَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ حَتَّى انْهَزَمَ الْحَارِثُ وَقَاتَلَهُمُ اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَأَتَى سَالِمٌ عَسْكَرَ الْحَارِثِ فَقَتَلَ كَاتِبَهُ، وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ دَاوُدَ، وَقَتَلَ الرَّجُلَ الَّذِي دَلَّ الْحَارِثَ عَلَى النَّقْبِ.
وَأَرْسَلَ نَصْرٌ إِلَى الْكَرْمَانِيِّ، فَأَتَاهُ عَلَى عَهْدٍ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ، فَوَقَعَ بَيْنَ سَالِمِ بْنِ أَحْوَزَ وَمِقْدَامِ بْنِ نُعَيْمٍ كَلَامٌ، فَأَغْلَظَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَأَعَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفَرٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ، فَخَافَ الْكَرْمَانِيُّ أَنْ يَكُونَ مَكْرًا مِنْ نَصْرٍ فَقَامَ وَتَعَلَّقُوا بِهِ فَلَمْ يَجْلِسْ، وَرَكِبَ فَرَسَهُ وَرَجَعَ وَقَالَ: أَرَادَ نَصْرٌ الْغَدْرَ بِي.
وَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، وَكَانَ مَعَ الْكَرْمَانِيِّ، فَقُتِلَ، وَأَرْسَلَ الْحَارِثُ ابْنَهُ حَاتِمًا إِلَى الْكَرْمَانِيِّ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: هُمَا عَدُوَّاكَ دَعْهُمَا يَضْطَرِبَانِ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَكِبَ الْكَرْمَانِيُّ إِلَى بَابِ مَيْدَانِ يَزِيدَ فَقَاتَلَ أَصْحَابَ نَصْرٍ، وَأَقْبَلَ الْكَرْمَانِيُّ إِلَى بَابِ حَرْبِ بْنِ عَامِرٍ وَوَجَّهَ أَصْحَابَهُ إِلَى نَصْرٍ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَتَرَامَوْا ثُمَّ تَحَاجَزُوا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ قِتَالٌ، وَالْتَقَوْا يَوْمَ الْجُمْعَةِ فَانْهَزَمَتِ الْأَزْدُ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الْكَرْمَانِيِّ،