فِي الْخَلْقِ، فَأَطْرَقَ مَلِيًّا، وَأَتَاهُ رَئِيسُ خَبَّازِيهِ فَأَعْلَمَهُ بِإِدْرَاكِ الطَّعَامِ، فَأَمَرَهُ بِإِحْضَارِهِ، فَأَحْضَرَهُ، فَأَكَلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ، وَالنَّاسُ يَتَوَقَّعُونَ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْهِمُ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، وَفَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ وَأَخْرَجَ الْمَالَ فَفَرَّقَهُ فِي قُوَّادِهِ، ثُمَّ دَعَا مَوْلًى لَهُ كَانَ يَتَبَرَّكُ بِهِ وَيَتَفَاءَلُ بِاسْمِهِ، كَانَ اسْمُهُ: إِمَّا مَيْمُونًا، وَإِمَّا رَبَاحًا، أَوْ فَتْحًا، أَوِ اسْمًا يُتَبَرَّكُ بِهِ، فَأَعْطَاهُ اللِّوَاءَ وَقَالَ لَهُ: امْضِ بِهِ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا فَارْكُزْهُ وَادْعُ أَصْحَابَكَ وَأَقِمْ حَتَّى آتِيَكَ. فَفَعَلَ.

وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَإِذَا الْأَرْضُ بَيْضَاءُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مُعَاوِيَةَ، فَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ خَمْسُمِائَةٍ. فَأُتِيَ بِرُءُوسٍ كَثِيرَةٍ وَهُوَ يُعْطِي مَا ضَمِنَ.

وَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْعِجْلِيُّ، فَسَأَلَهُ الشَّامِيُّ فَعَرَفَهُ فَقَالَ: قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَاللَّهِ مَا أُرِيدُ قِتَالَكَ وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُلْقِيَ إِلَيْكَ حَدِيثًا، أُخْبِرُكَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، لَا إِسْمَاعِيلُ وَلَا مَنْصُورٌ وَلَا غَيْرُهُمَا، إِلَّا وَقَدْ كَاتَبَ ابْنَ عُمَرَ وَكَاتَبَتْهُ مُضَرُ، وَمَا أَرَى لَكُمْ يَا رَبِيعَةُ كِتَابًا وَلَا رَسُولًا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ، فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْكِتَابَ أَبْلَغْتُهُ وَنَحْنُ غَدًا بِإِزَائِكُمْ فَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ.

فَبَلَغَ الْخَبَرُ ابْنَ مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ عُمَرَ بْنَ الْغَضْبَانِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْثِقَ مِنْ إِسْمَاعِيلَ وَمَنْصُورٍ وَغَيْرِهِمَا، فَلَمْ يَفْعَلْ.

وَأَصْبَحَ النَّاسُ مِنَ الْغَدِ غَادِينَ عَلَى الْقِتَالِ، فَحَمَلَ عُمَرُ بْنُ الْغَضْبَانِ عَلَى مَيْمَنَةِ ابْنِ عُمَرَ فَانْكَشَفُوا، وَمَضَى إِسْمَاعِيلُ وَمَنْصُورٌ مِنْ فَوْرِهِمَا إِلَى الْحِيرَةِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ ابْنِ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَابْنُ مُعَاوِيَةَ مَعَهُمْ، فَدَخَلُوا الْقَصْرَ، وَبَقِيَ مَنْ بِالْمَيْسَرَةِ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ وَمَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْغَضْبَانِ: مَا كُنَّا نَأْمَنُ عَلَيْكُمْ مَا صَنَعَ النَّاسُ بِكُمْ، فَانْصَرَفُوا. فَقَالَ ابْنُ الْغَضْبَانِ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أُقْتَلَ. فَأَخَذَ أَصْحَابُهُ بِعِنَانِ دَابَّتِهِ فَأَدْخَلُوهُ الْكُوفَةَ، فَلَمَّا أَمْسَوْا قَالَ لَهُمُ ابْنُ مُعَاوِيَةَ: يَا مَعْشَرَ رَبِيعَةَ، قَدْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعَ النَّاسُ بِنَا، وَقَدْ أَعْلَقْنَا دِمَاءَنَا فِي أَعْنَاقِكُمْ، فَإِنْ قَاتَلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ النَّاسَ يَخْذُلُونَنَا وَإِيَّاكُمْ فَخُذُوا لَنَا وَلَكُمْ أَمَانًا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْغَضْبَانِ: مَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ وَمَا نَأْخُذُ لَكُمْ أَمَانًا كَمَا نَأْخُذُ لِأَنْفُسِنَا. فَأَقَامُوا فِي الْقَصْرِ وَالزَّيْدِيَّةُ عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ يُقَاتِلُونَ أَصْحَابَ ابْنِ عُمَرَ أَيَّامًا.

ثُمَّ إِنَّ رَبِيعَةَ أَخَذَتْ أَمَانًا لِابْنِ مُعَاوِيَةَ وَلِأَنْفُسِهِمْ وَلِلزَّيْدِيَّةِ لِيَذْهَبُوا حَيْثُ شَاءُوا، وَسَارَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015