مِنَ أَهْلِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، سِوَى الْمَوَالِي وَالْمُتَطَوِّعَةِ، وَلَمْ تَكُنْ جُرْجَانُ يَوْمَئِذٍ مَدِينَةً، إِنَّمَا هِيَ جِبَالٌ وَمَخَارِمُ وَأَبْوَابٌ، يَقُومُ الرَّجُلُ عَلَى بَابٍ مِنْهَا فَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ. فَابْتَدَأَ بِقُهِسْتَانَ فَحَاصَرَهَا، وَكَانَ أَهْلُهَا طَائِفَةً مِنَ التُّرْكِ، وَأَقَامَ عَلَيْهَا. وَكَانَ أَهْلُهَا يَخْرُجُونَ وَيُقَاتِلُونَ، فَيَهْزِمُهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَإِذَا هُزِمُوا دَخَلُوا الْحِصْنَ. فَخَرَجُوا ذَاتَ يَوْمٍ وَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّاسُ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَحَمَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَلَى تُرْكِيٍّ قَدْ صَدَّ النَّاسَ عَنْهُ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَثَبَتَ سَيْفُ التُّرْكِيِّ فِي بَيْضَةِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، وَضَرَبَهُ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ فَقَتَلَهُ، وَرَجَعَ وَسَيْفُهُ يَقْطُرُ دَمًا، وَسَيْفُ التُّرْكِيِّ فِي بَيْضَتِهِ، فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَى أَحْسَنِ مَنْظَرٍ رَأَوْهُ.

وَخَرَجَ يَزِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمًا يَنْظُرُ مَكَانًا يَدْخُلُ مِنْهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ وَفُرْسَانِهِمْ، فَلَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى هَجَمَ عَلَيْهِمُ التُّرْكُ فِي نَحْوِ أَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَقَاتَلُوهُمْ سَاعَةً، وَقَاتَلَ يَزِيدُ قِتَالًا شَدِيدًا، فَسَلِمُوا وَانْصَرَفُوا، وَكَانُوا قَدْ عَطِشُوا، فَانْتَهَوْا إِلَى الْمَاءِ فَشَرِبُوا، وَرَجَعَ عَنْهُمُ الْعَدُوُّ.

ثُمَّ إِنَّ يَزِيدَ أَلَحَّ عَلَيْهِمْ فِي الْقِتَالِ، وَقَطَعَ عَنْهُمُ الْمَوَادَّ حَتَّى ضَعِفُوا وَعَجَزُوا. فَأَرْسَلَ صُولُ، دِهْقَانُ قُهِسْتَانَ، إِلَى يَزِيدَ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُصَالِحَهُ وَيُؤَمِّنَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، لِيَدْفَعَ إِلَيْهِ الْمَدِينَةَ بِمَا فِيهَا، فَصَالَحَهُ وَوَفَى لَهُ، وَدَخْلَ الْمَدِينَةَ، فَأَخَذَ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْكُنُوزِ وَالسَّبْيِ مَا لَا يُحْصَى، وَقَتْلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ تُرْكِيٍّ صَبْرًا، وَكَتَبَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بِذَلِكَ. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى جُرْجَانَ.

وَكَانَ أَهْلُ جُرْجَانَ قَدْ صَالَحَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَكَانُوا يَجْبُونَ أَحْيَانًا مِائَةَ أَلْفٍ، وَأَحْيَانًا مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَأَحْيَانًا ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفٍ، وَرُبَّمَا أَعْطَوْا ذَلِكَ وَرُبَّمَا مَنَعُوهُ، ثُمَّ امْتَنَعُوا وَكَفَرُوا، فَلَمْ يُعْطُوا خَرَاجًا، وَلَمْ يَأْتِ جُرْجَانَ بَعْدَ سَعِيدٍ أَحَدٌ، وَمَنَعُوا ذَلِكَ الطَّرِيقَ، فَلَمْ يَكُنْ يَسْلُكُ طَرِيقَ خُرَاسَانَ أَحَدٌ إِلَّا عَلَى فَارِسَ وَكَرْمَانَ. وَأَوَّلُ مَنْ صَيَّرَ الطَّرِيقَ مِنْ قُومِسَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ حِينَ وَلِيَ خُرَاسَانَ. وَبَقِيَ أَمْرُ جُرْجَانَ كَذَلِكَ حَتَّى وَلِيَ يَزِيدُ وَأَتَاهُمْ، فَاسْتَقْبَلُوهُ بِالصُّلْحِ، وَزَادُوهُ وَهَابُوهُ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَصَالَحَهُمْ.

فَلَمَّا فَتَحَ قُهِسْتَانَ وَجُرْجَانَ طَمِعَ فِي طَبَرِسْتَانَ أَنْ يَفْتَحَهَا، فَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهَا، فَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُعَمَّرِ الْيَشْكُرِيَّ عَلَى السَّاسَانِ وَقُهِسْتَانَ، وَخَلَّفَ مَعَهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى أَدَانِي جُرْجَانَ مِمَّا يَلِي طَبَرِسْتَانَ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى أَيْذُوسَا رَاشِدَ بْنَ عَمْرٍو، وَجَعَلَهُ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَدَخَلَ بِلَادَ طَبَرِسْتَانَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْإِصْبَهْبَذُ صَاحِبُهَا يَسْأَلُهُ الصُّلْحَ وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ طَبَرِسْتَانَ، فَأَبَى يَزِيدُ، وَرَجَا أَنْ يَفْتَتِحَهَا، وَوَجَّهَ أَخَاهُ أَبَا عُيَيْنَةَ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015