أَنَّ الْعَاصَ وَلَدَنِي، وَلَكِنِّي ابْنُ الْأَشْيَاخِ مِنْ ثَقِيفٍ وَالْعَقَائِلِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَنَا الَّذِي ضَرَبْتُ بِسَيْفِي هَذَا مِائَةَ أَلْفٍ كُلُّهُمْ يَشْهَدُ أَنَّ أَبَاكَ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيُضْمِرُ الْكُفْرَ. ثُمَّ وَلَّى وَهُوَ يَقُولُ: بَخٍ بَخٍ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ! فَهُوَ قَدِ اعْتَرَفَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ بِمِائَةِ أَلْفِ قَتِيلٍ عَلَى ذَنْبٍ وَاحِدٍ.
ذِكْرُ مَا فَعَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ مَوْتِ الْحَجَّاجِ وَقَتْلِهِ
لَمَّا مَاتَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بِالْمُلْتَانِ، فَأَتَاهُ خَبَرُ وَفَاتِهِ، فَرَجَعَ إِلَى الرُّورِ وَالْبَغْرُورِ، وَكَانَ قَدْ فَتَحَهُمَا، فَأَعْطَى النَّاسَ، وَوَجَّهَ إِلَى الْبَيْلَمَانِ جَيْشًا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا وَأَعْطَوُا الطَّاعَةَ، وَسَأَلَهُ أَهْلُ سُرَشْتَ، وَهِيَ مَغْزَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَأَهْلُهَا يَقْطَعُونَ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ أَتَى مُحَمَّدٌ الْكَيْرَجَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ دَوْهَرُ فَقَاتَلَهُ، فَانْهَزَمَ دَوْهَرُ وَهَرَبَ، وَقِيلَ: بَلْ قُتِلَ، وَنَزَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ فَقَتَلَ وَسَبَى، قَالَ الشَّاعِرُ:
نَحْنُ قَتَلْنَا ذَاهِرًا وَدَوْهَرَا ... وَالْخَيْلُ تَرْدِي مِنْسَرًا فَمِنْسَرَا
وَمَاتَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَوَلِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَوَلَّى يَزِيدَ بْنَ أَبِي كَبْشَةَ السَّكْسَكِيَّ السِّنْدَ، فَأَخَذَ مُحَمَّدًا وَقَيَّدَهُ وَحَمَلَهُ إِلَى الْعِرَاقِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ مُتَمَثِّلًا:
أَضَاعُونِي وَأَيَّ فَتًى أَضَاعُوا ... لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ وَسِدَادِ ثَغْرِ
فَبَكَى أَهْلُ السِّنْدِ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْعِرَاقِ حَبَسَهُ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِوَاسِطَ، فَقَالَ:
فَلَئِنْ ثَوَيْتُ بِوَاسِطٍ وَبِأَرْضِهَا ... رَهْنَ الْحَدِيدِ مُكَبَّلًا مَغْلُولَا
فَلَرُبَّ قَيْنَةِ فَارِسٍ قَدْ رُعْتُهَا ... وَلَرُبَّ قَرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ قَتِيلَا
وَقَالَ: