يَبْرَحُونَ، وَكَانُوا قَدْ عُرِفُوا بِذَلِكَ، وَكَانَ فِيهِمْ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ، وَكَانَ رَجُلًا رَكِينًا. فَخَرَجُوا ذَاتَ يَوْمٍ كَمَا كَانُوا يَخْرُجُونَ، وَعَبَّأَ الْحَجَّاجُ صُفُوفَهُ، وَعَبَّأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَصْحَابَهُ، وَعَبَّأَ الْحَجَّاجُ لِكَتِيبَةِ الْقُرَّاءِ ثَلَاثَ كَتَائِبَ، وَبَعَثَ عَلَيْهَا الْجَرَّاحَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيَّ، فَأَقْبَلُوا نَحْوَهُمْ، فَحَمَلُوا عَلَى الْقُرَّاءِ ثَلَاثَ حَمَلَاتٍ، كُلُّ كَتِيبَةٍ تَحْمِلُ حَمْلَةً، فَلَمْ يَبْرَحُوا وَصَبَرُوا.
ذِكْرُ وَفَاةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْمُهَلَّبِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ الْمُهَلَّبِ بِخُرَاسَانَ، وَكَانَ قَدِ اسْتَخْلَفَهُ أَبُوهُ الْمُهَلَّبُ عَلَى عَمَلِهِ بِخُرَاسَانَ، فَمَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ، فَأَتَى الْخَبَرُ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ وَأَهْلَ الْعَسْكَرِ، فَلَمْ يُخْبِرُوا الْمُهَلَّبَ، فَأَمَرَ يَزِيدُ النِّسَاءَ فَصَرَخْنَ، فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: مَاتَ الْمُغِيرَةُ. فَاسْتَرْجَعَ وَجَزِعَ حَتَّى ظَهَرَ جَزَعُهُ، فَلَامَهُ بَعْضُ خَاصَّتِهِ، ثُمَّ دَعَا يَزِيدَ وَوَجَّهَهُ إِلَى مَرْوَ، وَوَصَّاهُ بِمَا يَعْمَلُ وَإِنَّ دُمُوعَهُ لَتَنْحَدِرُ عَلَى لِحْيَتِهِ.
فَكَانَ الْمُهَلَّبُ مُقِيمًا بِكِشَّ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ يُحَارِبُ أَهْلَهَا، فَسَارَ يَزِيدُ فِي سِتِّينَ فَارِسًا، وَيُقَالُ سَبْعِينَ، فَلَقِيَهُمْ خَمْسُمِائَةٍ مِنَ التُّرْكِ فِي مَفَازَةِ بُسْتٍ، فَقَالُوا: مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: تُجَّارٌ. قَالُوا: فَأَعْطُونَا شَيْئًا. فَأَبَى يَزِيدُ، فَأَعْطَاهُمْ مُجَّاعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَتَكِيُّ ثَوْبًا وَكَرَابِيسَ وَقَوْسًا، فَانْصَرَفُوا، ثُمَّ غَدَرُوا وَعَادُوا إِلَيْهِمْ فَقَاتَلُوهُمْ، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، وَمَعَ يَزِيدَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ كَانَ قَدْ أَخَذَهُ، فَقَالَ: اسْتَبْقِنِي. فَاسْتَبْقَاهُ. فَحَمَلَ الْخَارِجِيُّ عَلَيْهِمْ حَتَّى خَالَطَهُمْ وَصَارَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَقَتَلَ رَجُلًا، ثُمَّ كَرَّ حَتَّى خَالَطَهُمْ وَقَتَلَ رَجُلًا، وَرَجَعَ إِلَى يَزِيدَ، وَقَتَلَ يَزِيدُ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ، وَرُمِيَ يَزِيدُ فِي سَاقِهِ، فَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ، وَصَبَرَ [لَهُمْ] يَزِيدُ حَتَّى حَاجَزُوهُمْ، فَقَالُوا: قَدْ غَدَرْنَا، وَلَا نَنْصَرِفُ حَتَّى نَمُوتَ أَوْ تَمُوتُوا، أَوْ تُعْطُونَا شَيْئًا. فَلَمْ يُعْطِهِمْ يَزِيدُ شَيْئًا. فَقَالَ مُجَّاعَةُ: أُذَكِّرُكَ اللَّهَ، قَدْ هَلَكَ الْمُغِيرَةُ، فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تَهْلِكَ فَتَجْتَمِعُ عَلَى الْمُهَلَّبِ الْمُصِيبَةُ. فَقَالَ: إِنَّ الْمُغِيرَةَ لَمْ يَعْدُ أَجْلَهُ، وَلَسْتُ أَعْدُو أَجْلِي. فَرَمَى إِلَيْهِمْ مُجَّاعَةُ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ، فَأَخَذُوهَا وَانْصَرَفُوا.