فَاقْبَلُوا مَا عَرَضُوا عَلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ أَعِزَّاءُ أَقْوِيَاءُ لِقَوْمٍ هُمْ لَكُمْ هَائِبُونَ، وَأَنْتُمْ لَهُمْ مُنْتَقِصُونَ، فَوَاللَّهِ لَا زِلْتُمْ عَلَيْهِمْ جُرَآءُ، وَعِنْدَهُمْ أَعِزَّاءُ، أَبَدًا مَا بَقِيتُمْ، إِنْ أَنْتُمْ قَبِلْتُمْ.

فَوَثَبَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَهُمْ، فَأَصْبَحُوا فِي الضَّنْكِ وَالْمَجَاعَةِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَنَحْنُ ذَوُو الْعَدَدِ الْكَثِيرِ، وَالسِّعْرِ الرَّخِيصِ، وَالْمَادَّةِ الْقَرِيبَةِ، لَا وَاللَّهِ لَا نَقْبَلُ! وَأَعَادُوا خَلْعَهُ ثَانِيَةً.

وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَامَ بِخَلْعِهِ بِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذُؤَابٍ السُّلَمِيُّ، وَعُمَيْرُ بْنُ تِيجَانَ، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى خَلْعِهِ بِالْجَمَاجِمِ أَجْمَعَ مِنْ خَلْعِهِمْ إِيَّاهُ بِفَارِسَ.

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ لِلْحَجَّاجِ: شَأْنُكَ بِعَسْكَرِكَ وَجُنْدِكَ، وَاعْمَلْ بِرَأْيِكَ، فَإِنَّا قَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَسْمَعَ لَكَ وَنُطِيعَ. فَقَالَ: قَدْ قُلْتُ: إِنَّهُ لَا يُرَادُ بِهَذَا الْأَمْرِ غَيْرُكُمْ. فَكَانَا يُسَلِّمَانِ عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمَا بِالْإِمْرَةِ. فَلَمَّا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ بِالْجَمَاجِمِ عَلَى خَلْعِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَلَا إِنَّ بَنِي مَرْوَانَ يُعَيَّرُونَ بِالزُّرَقَاءِ، وَاللَّهِ مَا لَهُمْ نَسَبٌ أَصَحُّ مِنْهُ، إِلَّا أَنَّ بَنِي [أَبِي] الْعَاصِ أَعْلَاجٌ مِنْ أَهْلِ صَفُّورِيَةَ، فَإِنْ يَكُنْ هَذَا الْأَمْرُ (فِي قُرَيْشٍ فَعَنِّي فُقِئَتْ) بَيْضَةُ قُرَيْشٍ، وَإِنْ يَكُ فِي الْعَرَبِ فَأَنَا ابْنُ الْأَشْعَثِ، وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ يُسْمِعُ النَّاسَ، وَبَرَزُوا لِلْقِتَالِ.

فَجَعَلَ الْحَجَّاجُ عَلَى مَيْمَنَتِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سُلَيْمٍ الْكَلْبِيَّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ عِمَارَةَ بْنَ تَمِيمٍ اللَّخْمِيَّ، وَعَلَى خَيْلِهِ سُفْيَانَ بْنَ الْأَبْرَدِ الْكَلْبِيَّ، وَعَلَى رَجَّالِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبِيبٍ الْحَكَمِيَّ، وَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى مَيْمَنَتِهِ الْحَجَّاجَ بْنَ حَارِثَةَ الْخَثْعَمِيَّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ الْأَبْرَدَ بْنَ قُرَّةَ التَّمِيمِيَّ، وَعَلَى خَيْلِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْعَبَّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ الْهَاشِمِيَّ، وَعَلَى رَجَّالِهِ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَلَى مُجَنَّبَتِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رِزَامٍ الْحَارِثِيَّ، وَجَعَلَ عَلَى الْقُرَّاءِ جَبَلَةَ بْنَ زَحْرِ بْنِ قَيْسٍ الْجُعْفِيَّ، وَفِيهِمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى.

ثُمَّ أَخَذُوا يَتَزَاحَفُونَ كُلَّ يَوْمٍ وَيَقْتَتِلُونَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ تَأْتِيهِمْ مَوَادُّهُمْ مِنَ الْكُوفَةِ وَسَوَادِهَا، وَهُمْ فِي خِصْبٍ، وَأَهْلُ الشَّامِ فِي ضَنْكٍ شَدِيدٍ، قَدْ غَلَتْ عَلَيْهِمُ الْأَسْعَارُ، وَفُقِدَ عِنْدَهُمُ اللَّحْمُ كَأَنَّهُمْ فِي حِصَارٍ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ يُغَادُونَ الْقِتَالَ وَيُرَاوِحُونَ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ جَبَلَةُ بْنُ زَحْرِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَتْ كَتِيبَتُهُ تُدْعَى الْقُرَّاءَ تُحُمِّلَ عَلَيْهِمْ فَلَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015