وَأَقْبَلَ أُمَيَّةُ وَقَاتَلَهُ بُكَيْرٌ، فَانْكَشَفَ يَوْمًا أَصْحَابُهُ، فَحَمَاهُمْ بُكَيْرٌ، ثُمَّ الْتَقَوْا يَوْمًا آخَرَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ الْتَقَوْا يَوْمًا آخَرَ، فَضَرَبَ بُكَيْرٌ ثَابِتَ بْنَ قُطْبَةَ عَلَى رَأْسِهِ، فَحَمَلَ حُرَيْثُ بْنُ قُطْبَةَ أَخُو ثَابِتٍ عَلَى بُكَيْرٍ، فَانْحَازَ بُكَيْرٌ وَانْكَشَفَ أَصْحَابُهُ، وَاتَّبَعَ حُرَيْثٌ بُكَيْرًا حَتَّى بَلَغَ الْقَنْطَرَةَ، وَنَادَاهُ: إِلَى أَيْنَ يَا بُكَيْرُ؟ فَرَجَعَ، فَضَرَبَهُ حُرَيْثٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَطَعَ الْمِغْفَرَ، وَعَضَّ السَّيْفُ رَأْسَهُ فَصُرِعَ، وَاحْتَمَلَهُ أَصْحَابُهُ فَأَدْخَلُوهُ الْمَدِينَةَ، وَكَانُوا يُقَاتِلُونَهُمْ.

فَكَانَ أَصْحَابُ بُكَيْرٍ يَغْدُونَ فِي الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ مِنْ أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ، فَيَجْلِسُونَ يَتَحَدَّثُونَ وَيُنَادِي مُنَادِيهِمْ: مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ رَمَيْنَا إِلَيْهِ بِرَأْسِ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ. فَلَا يَرْمِيهِمْ أَحَدٌ.

وَخَافَ بُكَيْرٌ إِنْ طَالَ الْحِصَارُ أَنْ يَخْذُلَهُ النَّاسُ، فَطَلَبَ الصُّلْحَ، وَأَحَبَّ ذَلِكَ أَيْضًا أَصْحَابُ أُمَيَّةَ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَقْضِيَ أُمَيَّةُ عَنْهُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ، وَيَصِلَ أَصْحَابَهُ، وَيُوَلِّيَهُ أَيَّ كُوَرِ خُرَاسَانَ شَاءَ، وَلَا يَسْمَعُ قَوْلَ بَحِيرٍ فِيهِ، وَإِنْ رَابَهُ رَيْبٌ فَهُوَ آمِنٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.

وَدَخَلَ أُمَيَّةُ مَدِينَةَ مَرْوَ وَوَفَى لِبُكَيْرٍ وَعَادَ إِلَى مَا كَانَ مِنْ إِكْرَامِهِ، وَأَعْطَى أُمَيَّةُ عُقَابًا عِشْرِينَ أَلْفًا.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ بُكَيْرًا لَمْ يَصْحَبْ أُمَيَّةَ إِلَى النَّهْرِ، كَانَ أُمَيَّةُ قَدِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى مَرْوَ، فَلَمَّا سَارَ أُمَيَّةُ وَعَبَرَ النَّهْرَ خَلَعَهُ، فَجَرَى الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَكَانَ أُمَيَّةُ سَهْلًا لَيِّنًا سَخِيًّا، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ ثَقِيلًا عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَكَانَ فِيهِ زَهْوٌ شَدِيدٌ، وَكَانَ يَقُولُ: مَا تَكْفِينِي خُرَاسَانُ لِمَطْبَخِي.

وَعَزَلَ أُمَيَّةُ بَحِيرًا عَنْ شُرْطَتِهِ، وَوَلَّاهَا عَطَاءَ بْنَ أَبِي السَّائِبِ. وَطَالَبَ أُمَيَّةُ النَّاسَ بِالْخَرَاجِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ بُكَيْرٌ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ النَّاسُ، فَذَكَرُوا شِدَّةَ أُمَيَّةَ وَذَمُّوهُ، وَبَحِيرٌ وَضِرَارُ بْنُ حُصَيْنٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَقَلَ بَحِيرٌ ذَلِكَ إِلَى أُمَيَّةَ، فَكَذَّبَهُ، فَادَّعَى شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ، فَشَهِدَ مُزَاحِمُ بْنُ أَبِي الْمُجَشَّرِ السُّلَمِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَمْزَحُ فَتَرَكَهُ أُمَيَّةُ.

ثُمَّ إِنَّ بَحِيرًا أَتَى أُمَيَّةَ وَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ إِنَّ بُكَيْرًا قَدْ دَعَانِي إِلَى خَلْعِكَ، وَقَالَ: لَوْلَا مَكَانُكَ لَقَتَلْتُ هَذَا الْقُرَشِيَّ وَأَكَلْتُ خُرَاسَانَ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ أُمَيَّةُ، فَاسْتَشْهَدَ جَمَاعَةً ذَكَرَ بُكَيْرٌ أَنَّهُمْ أَعْدَاؤُهُ، فَقَبَضَ أُمَيَّةُ عَلَى بُكَيْرٍ وَعَلَى بَدَلٍ وَشَمَرْدَلٍ ابْنَيْ أَخِيهِ، ثُمَّ أَمَرَ أُمَيَّةُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015