وَأَنِّي صَبَحْتُ السِّجْنَ فِي سَوْرَةِ الضُّحَى
بِكُلِّ فَتًى حَامِي الذِّمَارِ مُدَجَّجِ ... فَمَا إِنْ بَرِحْنَا السَّجْنَ حَتَّى بَدَا لَنَا
جَبِينٌ كَقَرْنِ الشَّمْسِ غَيْرُ مُشَنَّجِ ... وَخَدٌّ أَسِيلٌ عَنْ فَتَاةٍ حَبِيبَةٍ
إِلَيْنَا سَقَاهَا كُلُّ دَانٍ مُشَجَّجِ ... فَمَا الْعَيْشُ إِلَّا أَنْ أَزُورَكِ آمِنًا
كَعَادَتِنَا مِنْ قَبْلِ حَرْبِي وَمُخْرَجِي ... وَمَا زِلْتُ مَحْبُوسًا لِحَبْسِكِ وَاجِمًا
وَإِنِّي بِمَا تَلْقِينَ مِنْ بَعْدِهِ شَجِي
وَهِيَ طَوِيلَةٌ.
وَجَعَلَ يَعْبَثُ بِعُمَّالِ الْمُخْتَارِ وَأَصْحَابِهِ، فَأُحْرِقَتْ بِهَمَذَانَ دَارُهُ، وَنَهَبُوا ضَيْعَتَهُ، فَسَارَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى ضِيَاعِ هَمَذَانَ، فَنَهَبَهَا جَمِيعَهَا، وَكَانَ يَأْتِي الْمَدَائِنَ فَيَمُرُّ بِعُمَّالِ جُوخَى، فَيَأْخُذُ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْمَالِ، ثُمَّ يَمِيلُ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ الْمُخْتَارُ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ بَايَعَ الْمُخْتَارَ بَعْدَ امْتِنَاعٍ، وَأَرَادَ الْمُخْتَارُ أَنْ يَسْطُوَ بِهِ فَامْتَنَعَ لِأَجْلِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ. ثُمَّ سَارَ مَعَ ابْنِ الْأَشْتَرِ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَلَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ قِتَالَ ابْنِ زِيَادٍ، أَظْهَرَ الْمَرَضَ. ثُمَّ فَارَقَ ابْنَ الْأَشْتَرِ وَأَقْبَلَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ إِلَى الْأَنْبَارِ، فَأَغَارَ عَلَيْهَا وَأَخَذَ مَا فِي بَيْتِ مَالِهَا. فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ أَمَرَ الْمُخْتَارُ بِهَدْمِ دَارِهِ وَأَخْذِ امْرَأَتِهِ، فَفَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَحَضَرَ مَعَ مُصْعَبٍ قِتَالَ الْمُخْتَارِ وَقَتْلَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ الْمُخْتَارُ قَالَ النَّاسُ لِمُصْعَبٍ فِي وِلَايَتِهِ الثَّانِيَةِ: إِنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ يَثِبَ ابْنُ الْحُرِّ بِالسَّوَادِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بِابْنِ زِيَادٍ وَالْمُخْتَارِ، فَحَبَسَهُ، فَقَالَ:
فَمَنْ مُبْلِغُ الْفِتْيَانِ أَنَّ أَخَاهُمُ ... أَتَى دُونَهُ بَابٌ شَدِيدٌ وَحَاجِبُهْ
بِمَنْزِلَةٍ مَا كَانَ يَرْضَى بِمِثْلِهَا ... إِذَا قَامَ عَنَّتْهُ كُبُولٌ تُجَاذِبُهْ
عَلَى السَّاقِ فَوْقَ الْكَعْبِ أَسْوَدُ صَامِتٌ ... شَدِيدٌ يُدَانِي خَطْوَهُ وَيُقَارِبُهْ
وَمَا كَانَ ذَا مِنْ عُظْمِ جُرْمٍ ... جَرَمْتُهُ وَلَكِنْ سَعَى السَّاعِي بِمَا هُوَ كَاذِبُهْ