فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ قَاتَلَ مَعَ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: يَا لِثَارَاتِ عُثْمَانَ - عَادَ عَنْهُمْ، فَقَاتَلَ مَعَ الْمُخْتَارِ حَتَّى قُتِلَ، وَقُتِلَ يَزِيدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ ذِي مُرَّانَ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ صَهْبَانَ الْجَرْمِيُّ، وَكَانَ نَاسِكًا، وَقُتِلَ الْفُرَاتُ بْنُ زَحْرِ بْنِ قَيْسٍ، وَجُرِحَ أَبُوهُ زَحْرٌ، وَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ، وَقُتِلَ عُمَرُ بْنُ مِخْنَفٍ، وَقَاتَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِخْنَفٍ حَتَّى جُرِحَ، وَحَمَلَتْهُ الرِّجَالُ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَمَا يَشْعُرُ، وَقَاتَلَ حَوْلَهُ رِجَالٌ مِنَ الْأَزْدِ، وَانْهَزَمَ أَهْلُ الْيَمَنِ هَزِيمَةً قَبِيحَةً، وَأَخَذَ مِنْ دُورِ الْوَادِعِيِّينَ خَمْسَمِائَةِ أَسِيرٍ، فَأَتَى بِهِمُ الْمُخْتَارَ مُكَتَّفِينَ، فَأَمَرَ الْمُخْتَارُ بِإِحْضَارِهِمْ وَعَرْضِهِمْ عَلَيْهِ، وَقَالَ: انْظُرُوا مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ قَتْلَ الْحُسَيْنِ فَأَعْلِمُونِي. فَقَتَلَ كُلَّ مَنْ شَهِدَ قَتْلَ الْحُسَيْنِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ قَتِيلًا، وَأَخَذَ أَصْحَابُهُ يَقْتُلُونَ كُلَّ مَنْ كَانَ يُؤْذِيهِمْ.
فَلَمَّا سَمِعَ الْمُخْتَارُ بِذَلِكَ أَمَرَ بِإِطْلَاقِ كُلِّ مَنْ بَقِيَ مِنَ الْأُسَارَى، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يُجَامِعُوا عَلَيْهِ عَدُوًّا، وَلَا يَبْغُوهُ وَأَصْحَابَهُ غَائِلَةً، وَنَادَى مُنَادِي الْمُخْتَارِ: مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، إِلَّا مَنْ شَرِكَ فِي دِمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْحَجَّاجِ الزُّبَيْدِيُّ مِمَّنْ شَهِدَ قَتْلَ الْحُسَيْنِ، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَأَخَذَ طَرِيقَ وَاقِصَةَ، فَلَمْ يُرَ لَهُ خَبَرٌ حَتَّى السَّاعَةِ، وَقِيلَ: أَدْرَكَهُ أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ وَقَدْ سَقَطَ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ، فَذَبَحُوهُ وَأَخَذُوا رَأْسَهُ.
وَلَمَّا قُتِلَ فُرَاتُ بْنُ زَحْرِ بْنِ قَيْسٍ أَرْسَلَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ خَلِيفَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُعْفِيَّةُ، وَكَانَتِ امْرَأَةَ الْحُسَيْنِ، إِلَى الْمُخْتَارِ تَسْأَلُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي دَفْنِهِ، فَفَعَلَ، فَدَفَنَتْهُ.
وَبَعَثَ الْمُخْتَارُ غُلَامًا لَهُ يُدْعَى زُرْبَى (فِي طَلَبِ شَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ قَالَ شَمِرٌ لِأَصْحَابِهِ: تَبَاعَدُوا عَنِّي، لَعَلِّي يَطْمَعُ فِيَّ، فَتَبَاعَدُوا عَنْهُ، فَطَمِعَ زُرْبَى عَنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِ شَمِرٌ فَقَتَلَهُ، وَسَارَ شَمِرٌ حَتَّى نَزَلَ (مَسَاءً سَاتِيدَمَا، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلَ) مِنْهُ قَرْيَةً يُقَالُ لَهَا الْكِلْتَانِيَّةُ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ إِلَى جَانِبِ تَلٍّ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عِلْجًا فَضَرَبَهُ وَقَالَ: امْضِ بِكِتَابِي هَذَا إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ. فَمَضَى الْعِلْجُ حَتَّى دَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا أَبُو عَمْرَةَ صَاحِبُ الْمُخْتَارِ، وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَهُ الْمُخْتَارُ إِلَى تِلْكَ الْقَرْيَةِ لِيَكُونَ مَسْلَحَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَلَقِيَ ذَلِكَ