فَقَتَلَهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ مَا يَزُولُ.
وَكَانَ ابْنُ وَالٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْعُبَّادِ، فَلَمَّا قُتِلَ أَتَوْا رِفَاعَةَ بْنَ شَدَّادٍ الْبَجَلِيَّ وَقَالُوا: لِتَأْخُذِ الرَّايَةَ. فَقَالَ: ارْجِعُوا بِنَا لَعَلَّ اللَّهَ يَجْمَعُنَا لِيَوْمِ شَرِّهِمْ.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفِ بْنِ الْأَحْمَرِ: هَلَكْنَا وَاللَّهِ، لَئِنِ انْصَرَفْتَ لَيَرْكَبُنَّ أَكْتَافَنَا فَلَا نَبْلُغُ فَرْسَخًا حَتَّى نَهْلِكَ عَنْ آخِرِنَا، وَإِنْ نَجَا مِنَّا نَاجٍ أَخَذَتْهُ الْعَرَبُ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَيْهِمْ فَقُتِلَ صَبْرًا، هَذِهِ الشَّمْسُ قَدْ قَارَبَتِ الْغُرُوبَ فَنُقَاتِلُهُمْ عَلَى خَيْلِنَا، فَإِذَا غَسَقَ اللَّيْلُ رَكِبْنَا خُيُولَنَا أَوَّلَ اللَّيْلِ وَسِرْنَا حَتَّى نُصْبِحَ وَنَسِيرُ عَلَى مَهَلٍ، وَيَحْمِلُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَجَرِيحَهُ وَنَعْرِفُ الْوَجْهَ الَّذِي نَأْخُذُهُ.
فَقَالَ رِفَاعَةُ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ! وَأَخَذَ الرَّايَةَ وَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، وَرَامَ أَهْلُ الشَّامِ إِهْلَاكَهُمْ قَبْلَ اللَّيْلِ فَلَمْ يَصِلُوا إِلَى ذَلِكَ لِشِدَّةِ قِتَالِهِمْ، وَتَقَدَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُزَيْزٍ الْكِنَانِيُّ فَقَاتَلَ أَهْلَ الشَّامِ وَمَعَهُ وَلَدُهُ مُحَمَّدُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَنَادَى بَنِي كِنَانَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَسَلَّمَ وَلَدَهُ إِلَيْهِمْ لِيُوصِلُوهُ إِلَى الْكُوفَةِ، فَعَرَضُوا عَلَيْهِ الْأَمَانَ، فَأَبَى ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.
وَتَقَدَّمَ كَرِبُ بْنُ يَزِيدَ الْحِمْيَرِيُّ عِنْدَ الْمَسَاءِ فِي مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَاتَلَهُمْ أَشَدَّ قِتَالٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ ابْنُ ذِي الْكَلَاعِ الْحِمْيَرِيُّ الْأَمَانَ، قَالَ: قَدْ كُنَّا آمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا خَرَجْنَا نَطْلُبُ أَمَانَ الْآخِرَةِ. فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قُتِلُوا.
وَتَقَدَّمَ صَخْرُ بْنُ هِلَالٍ الْمُزَنِيُّ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ مُزَيْنَةَ فَقَاتَلُوا حَتَّى قُتِلُوا.
فَلَمَّا أَمْسَوْا رَجَعَ أَهْلُ الشَّامِ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ، وَنَظَرَ رِفَاعَةُ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ قَدْ عُقِرَ بِهِ فَرَسُهُ وَجُرِحَ فَدَفَعَهُ إِلَى قَوْمِهِ ثُمَّ سَارَ بِالنَّاسِ لَيْلَتَهُ، وَأَصْبَحَ الْحُصَيْنُ لِيَلْتَقِيَهُمْ فَلَمْ يَرَهُمْ، فَلَمْ يَبْعَثْ فِي آثَارِهِمْ، وَسَارُوا حَتَّى أَتَوْا قَرْقِيسْيَا، فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ زُفَرُ الْإِقَامَةَ، فَأَقَامُوا ثَلَاثًا، فَأَضَافَهُمْ ثُمَّ زَوَّدَهُمْ وَسَارُوا إِلَى الْكُوفَةِ.
ثُمَّ أَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ فِي أَهْلِ الْمَدَائِنِ فَبَلَغَ هِيتَ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ، فَرَجَعَ فَلَقِيَ الْمُثَنَّى بْنَ مُخَرِّبَةَ الْعَدَوِيَّ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِصَنْدَوْدَاءَ فَأَخْبَرَهُ، فَأَقَامُوا حَتَّى أَتَاهُمْ رِفَاعَةُ فَاسْتَقْبَلُوهُ، وَبَكَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَقَامُوا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَفَرَّقُوا، فَسَارَ كُلُّ طَائِفَةٍ إِلَى بَلَدِهِمْ.
وَلَمَّا بَلَغَ رِفَاعَةُ الْكُوفَةَ كَانَ الْمُخْتَارُ مَحْبُوسًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ فَمَرْحَبًا بِالْعُصْبَةِ