وَقَالَتْ: لَنْ أَدَعَكَ دُونَ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ.
فَنَادَاهَا الْحُسَيْنُ فَقَالَ: جُزِيتُمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا! ارْجِعِي رَحِمَكِ اللَّهُ، لَيْسَ الْجِهَادُ إِلَى النِّسَاءِ. فَرَجَعَتْ.
فَزَحَفَ عَمْرُو بْنُ الْحَجَّاجِ فِي مَيْمَنَةِ عُمَرَ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحُسَيْنِ جَثَوْا لَهُ عَلَى الرُّكَبِ وَأَشْرَعُوا الرِّمَاحَ نَحْوَهُمْ، فَلَمْ تَقْدَمْ خَيْلُهُمْ عَلَى الرِّمَاحِ، فَذَهَبَتِ الْخَيْلُ لِتَرْجِعَ فَرَشَقُوهُمْ بِالنَّبْلِ فَصَرَعُوا مِنْهُمْ رِجَالًا وَجَرَحُوا آخَرِينَ.
وَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ ابْنُ حَوْزَةَ فَقَالَ: أَفِيكُمُ الْحُسَيْنُ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالُوا: نَعَمْ، فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: يَا حُسَيْنُ أَبْشِرْ بِالنَّارِ! قَالَ لَهُ: كَذَبْتَ بَلْ أَقْدَمُ عَلَى رَبٍّ رَحِيمٍ وَشَفِيعٍ مُطَاعٍ، فَمَنْ أَنْتَ، قَالَ: ابْنُ حَوْزَةَ. فَرَفَعَ الْحُسَيْنُ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حُزَّهُ إِلَى النَّارِ! فَغَضِبَ ابْنُ حَوْزَةَ فَأَقْحَمَ فَرَسَهُ فِي نَهْرٍ بَيْنَهُمَا فَتَعَلَّقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ وَجَالَتْ بِهِ الْفَرَسُ فَسَقَطَ عَنْهَا فَانْقَطَعَتْ فَخِذُهُ وَسَاقُهُ وَقَدَمُهُ وَبَقِيَ جَنْبُهُ الْآخَرُ مُتَعَلِّقًا بِالرِّكَابِ يُضْرَبُ بِهِ كُلُّ حَجَرٍ وَشَجَرٍ حَتَّى مَاتَ.
وَكَانَ مَسْرُوقُ بْنُ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيُّ قَدْ خَرَجَ مَعَهُمْ وَقَالَ لَعَلِّي أُصِيبَ رَأْسُ الْحُسَيْنِ، فَأُصِيبَ بِهِ مَنْزِلَةً عِنْدَ ابْنِ زِيَادٍ، فَلَمَّا رَأَى مَا صَنَعَ اللَّهُ بِابْنِ حَوْزَةَ بِدُعَاءِ الْحُسَيْنِ رَجَعَ وَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ شَيْئًا، لَا أُقَاتِلُهُمْ أَبَدًا.
وَنَشِبَ الْقِتَالُ وَخَرَجَ يَزِيدُ بْنُ مَعْقِلٍ حَلِيفُ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالَ: يَا بُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرٍ كَيْفَ تَرَى اللَّهَ صَنَعَ بِكَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ صَنَعَ بِي خَيْرًا وَصَنَعَ بِكَ شَرًّا.
فَقَالَ: كَذَبْتَ، وَقَبْلَ الْيَوْمِ مَا كُنْتَ كَذَّابًا، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ مِنَ الضَّالِّينَ.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ خُضَيْرٍ: هَلْ لَكَ أَنْ أُبَاهِلَكَ، أَنْ يَلْعَنَ اللَّهُ الْكَاذِبَ وَيَقْتُلَ الْمُبْطِلَ، ثُمَّ أَخْرُجَ أُبَارِزَكَ! فَخَرَجَا فَتَبَاهَلَا أَنْ يَلْعَنَ اللَّهُ الْكَاذِبَ وَيَقْتُلَ الْمُحِقُّ الْمُبْطِلَ ثُمَّ تَبَارَزُوا فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَ يَزِيدُ بْنُ مَعْقِلٍ بُرَيْرَ بْنَ خُضَيْرٍ فَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا وَضَرَبَهُ ابْنُ خُضَيْرٍ ضَرْبَةً قَدَّتِ الْمِغْفَرَ وَبَلَغْتِ الدِّمَاغَ فَسَقَطَ وَالسَّيْفُ فِي رَأْسِهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَضِيُّ بْنُ مُنْقِذٍ الْعَبْدِيُّ، فَاعْتَنَقَ ابْنَ خُضَيْرٍ، فَاعْتَرَكَا سَاعَةً ثُمَّ إِنَّ ابْنَ خُضَيْرٍ قَعَدَ عَلَى صَدْرِهِ، فَحَمَلَ كَعْبُ بْنُ جَابِرٍ الْأَزْدِيُّ عَلَيْهِ بِالرُّمْحِ فَوَضَعَهُ فِي ظَهْرِهِ حَتَّى غَيَّبَ السِّنَانَ فِيهِ، فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الرُّمْحِ نَزَلَ عَنْ رَضِيٍّ فَعَضَّ أَنْفَهُ وَقَطَعَ طَرَفَهُ، وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ كَعْبُ بْنُ جَابِرٍ فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى قَتَلَهُ، وَقَامَ رَضِيٌّ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ قَبَائِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ كَعْبٌ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَعَنْتَ عَلَى ابْنِ