أُمَّةٌ وَأَنْتُمْ أُمَّةٌ، إِنَّ اللَّهَ قَدِ ابْتَلَانَا وَإِيَّاكُمْ بِذُرِّيَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَنْظُرَ مَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَامِلُونَ، إِنَّا نَدْعُوكُمْ إِلَى نَصْرِهِ وَخِذْلَانِ الطَّاغِيَةِ ابْنِ الطَّاغِيَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَإِنَّكُمْ لَا تُدْرِكُونَ مِنْهُمَا إِلَّا سُوءًا، يُسْمِلَانِ أَعْيُنَكُمْ، وَيَقْطَعَانِ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ، وَيُمَثِّلَانِ بِكُمْ، وَيَرْفَعَانِكُمْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ، وَيَقْتُلَانِ أَمَاثِلَكُمْ وَقُرَّاءَكُمْ، أَمْثَالَ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، وَهَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ وَأَشْبَاهِهِ!

قَالَ: فَسَبُّوهُ وَأَثْنَوْا عَلَى ابْنِ زِيَادٍ وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَقْتُلَ صَاحِبَكَ وَمَنْ مَعَهُ أَوْ نَبْعَثَ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ إِلَى الْأَمِيرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ سِلْمًا.

فَقَالَ لَهُمْ: يَا عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ وَلَدَ فَاطِمَةَ أَحَقُّ بِالْوُدِّ وَالنَّصْرِ مِنِ ابْنِ سُمَيَّةَ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَمْ تَنْصُرُوهُمْ فَأُعِيذُكُمْ بِاللَّهِ أَنْ تَقْتُلُوهُمْ، خَلُّوا بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ ابْنِ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ

فَلَعَمْرِي إِنَّ يَزِيدَ لَيَرْضَى مِنْ طَاعَتِكُمْ بِدُونِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ.

فَرَمَاهُ شَمِرُ بِسَهْمٍ وَقَالَ: اسْكُتْ أَسْكَتَ اللَّهُ نَأْمَتَكَ، أَبْرَمْتَنَا بِكَثْرَةِ كَلَامِكَ! فَقَالَ زُهَيْرٌ: يَا ابْنَ الْبَوَّالِ عَلَى عَقِبَيْهِ! مَا إِيَّاكَ أُخَاطِبُ، إِنَّمَا أَنْتَ بَهِيمَةٌ! وَاللَّهِ مَا أَظُنُّكَ تُحْكِمُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ آيَتَيْنِ فَأَبْشِرْ بِالْخِزْيِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ.

فَقَالَ شَمِرٌ: إِنَّ اللَّهَ قَاتِلُكَ وَصَاحِبَكَ عَنْ سَاعَةٍ.

قَالَ: أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي؟ وَاللَّهِ لَلْمَوْتُ مَعَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْخُلْدِ مَعَكُمْ! ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ دِينِكُمْ هَذَا الْجِلْفُ الْجَافِي، فَوَاللَّهِ لَا تَنَالُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ قَوْمًا أَهْرَقُوا دِمَاءَ ذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَقَتَلُوا مَنْ نَصَرَهُمْ وَذَبَّ عَنْ حَرِيمِهِمْ.

فَأَمَرَهُ الْحُسَيْنُ فَرَجَعَ.

وَلَمَّا زَحَفَ عُمَرُ نَحْوَ الْحُسَيْنِ أَتَاهُ الْحُرُّ بْنُ يَزِيدَ فَقَالَ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ! أَمُقَاتِلٌ أَنْتَ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ لَهُ: إِي إِي وَاللَّهِ قِتَالًا أَيْسَرُهُ أَنْ تَسْقُطَ الرُّءُوسُ وَتُطِيحَ الْأَيْدِي.

قَالَ: أَفَمَا لَكُمْ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْخِصَالِ الَّتِي عَرَضَ عَلَيْكُمْ رِضًى؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيَّ لَفَعَلْتُ، وَلَكِنَّ أَمِيرَكَ قَدْ أَبَى ذَلِكَ.

فَأَقْبَلَ يَدْنُو نَحْوَ الْحُسَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَأَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ الْمُهَاجِرُ بْنُ أَوْسٍ: وَاللَّهِ إِنَّ أَمْرَكَ لَمُرِيبٌ! وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ فِي مَوْقِفٍ قَطُّ مِثْلَ مَا أَرَاهُ الْآنَ! وَلَوْ قِيلَ مَنْ أَشْجَعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَمَا عَدَوْتُكَ.

فَقَالَ لَهُ: إِنِّي وَاللَّهِ أُخَيِّرُ نَفْسِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَلَا أَخْتَارُ عَلَى الْجَنَّةِ شَيْئًا وَلَوْ قُطِّعْتُ وَحُرِّقْتُ.

ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ فَلَحِقَ بِالْحُسَيْنِ، فَقَالَ لَهُ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! أَنَا صَاحِبُكَ الَّذِي حَبَسْتُكَ عَنِ الرُّجُوعِ وَسَايَرْتُكَ فِي الطَّرِيقِ وَجَعْجَعْتُ بِكَ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَوَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ يَرُدُّونَ عَلَيْكَ مَا عَرَضْتَ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَلَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015