الْخُرُوجِ إِلَى الْحُسَيْنِ، وَهُوَ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ عَشْرَةٌ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَخْرُجُ مَعِي؟ فَخَرَجَ مَعَهُ ابْنَانِ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ، فَسَارُوا فَقَدِمُوا عَلَيْهِ بِمَكَّةَ ثُمَّ سَارُوا مَعَهُ فَقُتِلُوا مَعَهُ.
ثُمَّ دَعَا الْحُسَيْنُ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ فَسَيَّرَهُ نَحْوَ الْكُوفَةِ وَأَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَكِتْمَانِ أَمْرِهِ وَاللُّطْفِ، فَإِنْ رَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ لَهُ عَجَّلَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ.
فَأَقْبَلَ مُسْلِمٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَصَلَّى فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَدَّعَ أَهْلَهُ وَاسْتَأْجَرَ دَلِيلَيْنِ مِنْ قَيْسٍ، فَأَقْبَلَا بِهِ، فَضَلَّا الطَّرِيقَ وَعَطِشُوا، فَمَاتَ الدَّلِيلَانِ مِنَ الْعَطَشِ وَقَالَا لِمُسْلِمٍ: هَذَا الطَّرِيقُ إِلَى الْمَاءِ.
فَكَتَبَ مُسْلِمٌ إِلَى الْحُسَيْنِ: إِنِّي أَقْبَلْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَاسْتَأْجَرْتُ دَلِيلَيْنِ فَضَلَّا الطَّرِيقَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمَا الْعَطَشُ فَمَاتَا، وَأَقْبَلْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْمَاءِ فَلَمْ نَنْجُ إِلَّا بِحُشَاشَةِ أَنْفُسِنَا، وَذَلِكَ الْمَاءُ بِمَكَانٍ يُدْعَى الْمَضِيقُ مِنْ بَطْنِ الْخُبَيْتِ، وَقَدْ تَطَيَّرْتُ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَعْفَيْتَنِي وَبَعَثْتَ غَيْرِي.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحُسَيْنُ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَكُونَ حَمَلَكَ عَلَى الْكِتَابِ إِلَيَّ إِلَّا الْجُبْنُ، فَامْضِ لِوَجْهِكَ، وَالسَّلَامُ.
فَسَارَ مُسْلِمٌ حَتَّى أَتَى الْكُوفَةَ وَنَزَلَ فِي دَارِ الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ غَيْرُهَا، وَأَقْبَلَتِ الشِّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، فَكُلَّمَا اجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ الْحُسَيْنِ فَيَبْكُونَ وَيَعِدُونَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمُ الْقِتَالَ وَالنُّصْرَةَ، وَاخْتَلَفَتْ [إِلَيْهِ] الشِّيعَةُ حَتَّى عُلِمَ بِمَكَانِهِ وَبَلَغَ ذَلِكَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَلَا تُسَارِعُو اإِلَى الْفِتْنَةِ وَالْفُرْقَةِ، فَإِنَّ فِيهِمَا تَهْلِكُ الرِّجَالُ وَتُسْفَكُ الدِّمَاءُ وَتُغْصَبُ الْأَمْوَالُ.
وَكَانَ حَلِيمًا نَاسِكًا يُحِبُّ الْعَافِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَا أُقَاتِلُ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْنِي، وَلَا أَثِبُ عَلَى مَنْ لَا يَثِبُ عَلَيَّ، وَلَا أُنَبِّهُ نَائِمَكُمْ، وَلَا أَتَحَرَّشُ بِكُمْ، وَلَا آخُذُ بِالْقَرْفِ وَلَا الظِّنَّةِ وَلَا التُّهْمَةِ، وَلَكِنَّكُمْ إِنْ أَبْدَيْتُمْ صَفْحَتَكُمْ، وَنَكَثْتُمْ بَيْعَتَكُمْ، وَخَالَفْتُمْ إِمَامَكُمْ فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَأَضْرِبَنَّكُمْ بِسَيْفِي مَا ثَبَتَ قَائِمُهُ بِيَدِي، وَ [لَوْ] لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ نَاصِرٌ وَلَا مُعِينٌ، أَمَا إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنْكُمْ أَكْثَرَ مِمَّنْ يُرْدِيهِ الْبَاطِلُ.
فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَضْرَمِيُّ حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يُصْلِحُ مَا تَرَى إِلَّا الْغَشْمُ، إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْمُسْتَضْعَفِينَ.
فَقَالَ: أَكُونُ مِنْ