وَقِيلَ: أَمَّرَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ. وَسَارَ عَلِيٌّ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي تَعْبِيَتِهِ الَّتِي تَعَبَّاهَا لِأَهْلِ الشَّامِ آخِرَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، فَقَالَتْ أُخْتُ عَلِيِّ بْنِ عَدِيٍّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ:
لَاهُمَّ فَاعْقِرْ بِعَلِيٍّ جَمَلَهْ ... وَلَا تُبَارِكْ فِي بَعِيرٍ حَمَلَهْ
أَلَا عَلِيُّ بْنُ عَدِيٍّ لَيْسَ لَهْ
وَخَرَجَ مَعَهُ مَنْ نَشِطَ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ مُتَخَفِّفِينَ فِي تِسْعِمِائَةٍ، وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَهُمْ فَيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْخُرُوجِ أَوْ يَأْخُذَهُمْ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَأَخَذَ بِعِنَانِهِ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَخْرُجْ مِنْهَا، فَوَاللَّهِ إِنْ خَرَجْتَ مِنْهَا لَا يَعُودُ إِلَيْهَا سُلْطَانُ الْمُسْلِمِينَ أَبَدًا! فَسَبُّوهُ. فَقَالَ: دَعُوا الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَسَارَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الرَّبَذَةِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهَا أَتَاهُ خَبَرُ سَبْقِهِمْ، فَأَقَامَ بِهَا يَأْتَمِرُ مَا يَفْعَلُ، وَأَتَاهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أَمَرْتُكَ فَعَصَيْتَنِي فَتُقْتَلُ غَدًا بِمَضْيَعَةٍ لَا نَاصِرَ لَكَ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّكَ لَا تَزَالُ تَخِنُّ خَنِينَ الْجَارِيَةِ، وَمَا الَّذِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ؟ قَالَ: أَمَرْتُكَ يَوْمَ أُحِيطَ بِعُثْمَانَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَيُقْتَلُ وَلَسْتَ بِهَا، ثُمَّ أَمَرَتُكَ يَوْمَ قُتِلَ أَنْ لَا تُبَايِعَ حَتَّى تَأْتِيَكَ وُفُودُ الْعَرَبِ وَبَيْعَةُ أَهْلِ كُلِّ مِصْرَ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَقْطَعُوا أَمْرًا دُونَكَ، فَأَبَيْتَ عَلَيَّ، وَأَمَرْتُكَ حِينَ خَرَجَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَهَذَانِ الرَّجُلَانِ أَنْ تَجْلِسَ فِي بَيْتِكَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ كَانَ عَلَى يَدِ غَيْرِكَ، فَعَصَيْتَنِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
فَقَالَ أَيْ بُنَيَّ! أَمَّا قَوْلُكَ: لَوْ خَرَجْتَ مِنَ الْمَدِينَةِ حِينَ أُحِيطَ بِعُثْمَانَ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ أُحِيطَ بِنَا كَمَا أُحِيطَ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُكَ: لَا تُبَايِعْ حَتَّى يُبَايِعَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ أَمْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، (وَكَرِهْنَا أَنْ يَضِيعَ هَذَا الْأَمْرُ، وَلَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَرَى أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنِّي، فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ (انْتَقَلَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ) وَمَا أَرَى أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنِّي، فَبَايَعَ النَّاسُ عُمَرَ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ (انْتَقَلَ إِلَى رَحْمَةِ