وَأَهْلِ (مَكَّةَ بِنَحْوٍ آخَرَ) وَأَنَّهُمْ عَلَى الْخِلَافِ، فَأَعْلَمَ عَلِيٌّ النَّاسَ ذَلِكَ، وَأَنَّ عَائِشَةَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، قَدْ سَخِطُوا إِمَارَتَهُ، وَدَعَوُا النَّاسَ إِلَى الْإِصْلَاحِ، وَقَالَ لَهُمْ: سَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ، وَأَكُفُّ إِنْ كَفُّوا، وَأَقْتَصِرُ عَلَى مَا بَلَغَنِي.
ثُمَّ أَتَاهُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْبَصْرَةَ، فَسَرَّهُ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ الْكُوفَةَ فِيهَا رِجَالُ الْعَرَبِ وَبُيُوتَاتُهُمْ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الَّذِي سَرَّكَ مِنْ ذَلِكَ لَيَسُوءُنِي، إِنَّ الْكُوفَةَ فُسْطَاطٌ فِيهِ [أَعْلَامٌ] مِنْ أَعْلَامِ الْعَرَبِ، وَلَا يَحْمِلُهُمْ عِدَّةُ الْقَوْمِ، وَلَا يَزَالُ فِيهَا مَنْ يَسْمُو إِلَى أَمْرٍ لَا يَنَالُهُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ شَغَّبَ عَلَيَّ الَّذِي قَدْ نَالَ مَا يُرِيدُ حَتَّى تُكْسَرَ حِدَّتَهُ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ الْأَمْرَ لَيُشْبِهُ مَا تَقُولُ، وَتَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ، فَنَدَبَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لِلْمَسِيرِ مَعَهُمْ فَتَثَاقَلُوا، فَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كُمَيْلًا النَّخَعِيَّ، فَجَاءَ بِهِ، فَدَعَاهُ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ دَخَلُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ فَدَخَلْتُ مَعَهُمْ، فَإِنْ يَخْرُجُوا أَخْرُجْ مَعَهُمْ، وَإِنْ يَقْعُدُوا أَقْعُدْ. قَالَ: فَأَعْطِنِي كَفِيلًا. قَالَ: لَا أَفْعَلُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَوْلَا مَا أَعْرِفُ مِنْ سُوءِ خُلُقِكَ صَغِيرًا وَكَبِيرًا لَأَنْكَرْتَنِي، دَعُوهُ فَأَنَا كَفِيلُهُ. فَرَجَعَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَصْنَعُ، إِنَّ الْأَمْرَ لَمُشْتَبِهٌ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ مُقِيمُونَ حَتَّى يُضِيءَ لَنَا.
فَخَرَجَ مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهِ وَأَخْبَرَ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَةَ عَلِيٍّ، وَهِيَ زَوْجَةُ عُمَرَ، بِالَّذِي سَمِعَ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مُعْتَمِرَا مُقِيمًا عَلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ مَا خَلَا النُّهُوضَ. فَأَصْبَحَ عَلِيٌّ فَقِيلَ لَهُ: حَدَثَ اللَّيْلَةَ حَدَثٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ طَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةَ، وَمُعَاوِيَةَ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى الشَّامِ فَأَتَى السُّوقَ وَأَعَدَّ الظَّهْرَ وَالرِّجَالَ، وَأَخَذَ لِكُلِّ طَرِيقٍ طُلَّابًا، وَمَاجَ النَّاسُ. فَسَمِعَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ، فَأَتَتْ عَلِيًّا فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَقَالَ: انْصَرِفُوا، وَاللَّهِ مَا كَذَبَتْ وَلَا كَذِبَ، وَاللَّهِ إِنَّهُ عِنْدِي ثِقَةٌ. فَانْصَرَفُوا.
وَكَانَ سَبَبُ اجْتِمَاعِهِمْ بِمَكَّةَ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ خَرَجَتْ إِلَيْهَا، وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ، ثُمَّ