حَدِيثِ مَقْتَلِ عُمَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ هَاهُنَا قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي تَقَدَّمَ آنِفَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا دُفِنَ عُمَرُ جَمَعَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَخَطَبَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ وَتَرْكِ التَّفَرُّقِ، فَتَكَلَّمَ عُثْمَانُ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اتَّخَذَ مُحَمَّدًا نَبِيًّا، وَبَعَثَهُ رَسُولًا، وَصَدَقَهُ وَعْدَهُ، وَوَهَبَ لَهُ نَصْرَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ بَعُدَ نَسَبًا أَوْ قَرُبَ رَحِمًا، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، جَعَلَنَا اللَّهُ لَهُ تَابِعِينَ، وَبِأَمْرِهِ مُهْتَدِينَ، فَهُوَ لَنَا نُورٌ، وَنَحْنُ بِأَمْرِهِ نَقُومُ عِنْدَ تَفَرُّقِ الْأَهْوَاءِ وَمُجَادَلَةِ الْأَعْدَاءِ، جَعَلَنَا اللَّهُ بِفَضْلِهِ أَئِمَّةً، وَبِطَاعَتِهِ أُمَرَاءَ، لَا يَخْرُجُ أَمْرُنَا مِنَّا، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا غَيْرُنَا، إِلَّا مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ، وَنَكَلَ عَنِ الْقَصْدِ، وَأَحْرِ بِهَا يَا ابْنَ عَوْفٍ أَنْ تُتْرَكَ، وَأَجْدِرِ بِهَا أَنْ تَكُونَ إِنْ خُولِفَ أَمْرُكَ وَتُرِكَ دُعَاؤُكَ، فَأَنَا أَوَّلُ مُجِيبٍ لَكَ وَدَاعٍ إِلَيْكَ وَكَفِيلٌ بِمَا أَقُولُ زَعِيمٌ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
ثُمَّ تَكَلَّمَ الزُّبَيْرُ بَعْدَهُ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ دَاعِيَ اللَّهِ لَا يُجْهَلُ، وَمُجِيبَهُ لَا يُخْذَلُ عِنْدَ تَفَرُّقِ الْأَهْوَاءِ وَلَيِّ الْأَعْنَاقِ، وَلَنْ يُقَصِّرَ عَمَّا قُلْتُ إِلَّا غَوِيٌّ، وَلَنْ يَتْرُكَ مَا دَعَوْتُ إِلَيْهِ إِلَّا شَقِيٌّ، وَلَوْلَا حُدُودٌ لِلَّهِ فُرِضَتْ، وَفَرَائِضُ لِلَّهِ حُدَّتْ، تُرَاحُ عَلَى أَهْلِهَا وَتَحْيَا وَلَا تَمُوتُ، لَكَانَ الْمَوْتُ مِنَ الْإِمَارَةِ نَجَاةً، وَالْفِرَارُ مِنَ الْوِلَايَةِ عِصْمَةً، وَلَكِنْ لِلَّهِ عَلَيْنَا إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَإِظْهَارُ السُّنَّةِ، لِئَلَّا نَمُوتَ مَوْتَةً عِمِّيَّةً، وَلَا نَعْمَى عَمَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَنَا مُجِيبُكَ إِلَى مَا دَعَوْتَ، وَمُعِينُكَ عَلَى مَا أَمَرْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
ثُمَّ تَكَلَّمَ سَعْدٌ فَقَالَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ: وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَارَتِ الطُّرُقُ وَاسْتَقَامَتِ السُّبُلُ، وَظَهَرَ كُلُّ حَقٍّ، وَمَاتَ كُلُّ بَاطِلٍ، إِيَّاكُمْ أَيُّهَا النَّفَرُ وَقَوْلَ الزُّورِ، وَأُمْنِيَةَ أَهْلِ الْغُرُورِ، وَقَدْ سَلَبَتِ الْأَمَانِيُّ قَوْمًا قَبْلَكُمْ، وَرِثُوا مَا وَرِثْتُمْ وَنَالُوا مَا نِلْتُمْ فَاتَّخَذَهُمُ اللَّهُ عَدُوًّا، وَلَعَنَهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 78] إِلَى قَوْلِهِ: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79] ، إِنِّي نَكَبْتُ قَرْنِي وَأَخَذْتُ سَهْمِي الْفَالِجَ وَأَخَذْتُ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَا ارْتَضَيْتُ لِنَفْسِي، فَأَنَا بِهِ كَفِيلٌ وَبِمَا أَعْطَيْتُ عَنْهُ زَعِيمٌ، وَالْأَمْرُ إِلَيْكَ يَا ابْنَ عَوْفٍ بِجُهْدِ النَّفْسِ وَقَصْدِ النُّصْحِ، وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ، وَإِلَيْهِ الرُّجُوعُ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مُخَالَفَتِكُمْ.