رَمْيِهِمْ، فَسَمَّوْهُمْ رُمَاةَ الْحَدَقِ.
فَلَمَّا وَلِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ مِصْرَ أَيَّامَ عُثْمَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى هَدِيَّةٍ عِدَّةِ رُءُوسٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَيُهْدِي إِلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ كُلَّ سَنَةٍ طَعَامًا مُسَمًّى وَكُسْوَةً، وَأَمْضَى ذَلِكَ الصُّلْحَ عُثْمَانُ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى بَلْهِيبَ وَقَدْ بَلَغَتْ سَبَايَاهُمْ إِلَى الْيَمَنِ، أَرْسَلَ صَاحِبُهُمْ إِلَى عَمْرٍو: إِنَّنِي كُنْتُ أُخْرِجُ الْجِزْيَةَ إِلَى مَنْ هُوَ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْكُمْ: فَارِسَ وَالرُّومَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَنْ تَرُدَّ مَا سَبَيْتُمْ مِنْ أَرْضِي فَعَلْتُ. فَكَتَبَ عَمْرٌو إِلَى عُمَرَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي ذَلِكَ، وَرَفَعُوا الْحَرْبَ إِلَى أَنْ يَرِدَ كِتَابُ عُمَرَ. فَوَرَدَ الْجَوَابُ مِنْ عُمَرَ: لَعَمْرِي جِزْيَةٌ قَائِمَةٌ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ غَنِيمَةٍ تُقَسَّمُ، ثُمَّ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ، وَأَمَّا السَّبْيُ فَإِنْ أَعْطَاكَ مَلِكُهُمُ الْجِزْيَةَ عَلَى أَنْ تُخَيِّرُوا مَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْهُمْ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَدِينِ قَوْمِهِ، فَمَنِ اخْتَارَ الْإِسْلَامَ فَهُوَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنِ اخْتَارَ دِينَ قَوْمِهِ فَضَعْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ، وَأَمَّا مَنْ تَفَرَّقَ فِي الْبُلْدَانِ فَإِنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِمْ. فَعَرَضَ عَمْرٌو ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَأَجَابَ إِلَيْهِ، فَجَمَعُوا السَّبْيَ، وَاجْتَمَعَتِ النَّصَارَى وَخَيَّرُوهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، فَمَنِ اخْتَارَ الْمُسْلِمِينَ كَبَّرُوا، وَمَنِ اخْتَارَ النَّصَارَى نَخَرُوا وَصَارَ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ، حَتَّى فَرَغُوا.
وَكَانَ مِنَ السَّبْيِ أَبُو مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاخْتَارَ الْإِسْلَامَ وَصَارَ عَرِّيفَ زَبِيدٍ.
وَكَانَ مُلُوكُ بَنِي أُمَيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ مِصْرَ دُخِلَتْ عَنْوَةً وَأَهْلَهَا عَبِيدُنَا نَزِيدُ عَلَيْهِمْ كَيْفَ شِئْنَا. وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.
ذكر عِدَّةِ حَوَادِثَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَعْنِي سَنَةَ عِشْرِينَ، غَزَا أَبُو بَحْرِيَّةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ أَرْضَ الرُّومِ،