يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ، فَدَعَا عُمَرُ الْبَرِيدَ، فَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ أَنْ يُقِيمَ خَالِدًا وَيَعْقِلَهُ بِعِمَامَتِهِ، وَيَنْزِعَ عَنْهُ قَلَنْسُوَتَهُ حَتَّى يُعْلِمَكُمْ مِنْ أَيْنَ أَجَازَ الْأَشْعَثَ، أَمِنْ مَالِهِ أَمْ مِنْ مَالِ إِصَابَةٍ أَصَابَهَا، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ فَرَّقَهُ مِنْ إِصَابَةٍ أَصَابَهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِخِيَانَةٍ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ مَالِهِ فَقَدْ أَسْرَفَ، وَاعْزِلْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ عَمَلَهُ. فَكَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى خَالِدٍ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ وَجَلَسَ لَهُمْ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَامَ الْبَرِيدُ فَسَأَلَ خَالِدًا مِنْ أَيْنَ أَجَازَ الْأَشْعَثَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ سَاكِتٌ لَا يَقُولُ شَيْئًا، فَقَامَ بِلَالٌ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَ فِيكَ بِكَذَا وَكَذَا، وَنَزَعَ عِمَامَتَهُ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ سَمْعًا وَطَاعَةً، وَوَضَعَ قَلَنْسُوَتَهُ، ثُمَّ أَقَامَ فَعَقَلَهُ بِعِمَامَتِهِ وَقَالَ: بَلْ مِنْ مَالِي، فَأَطْلَقَهُ وَأَعَادَ قَلَنْسُوَتَهُ، ثُمَّ عَمَّمَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: نَسْمَعُ وَنُطِيعُ لِوُلَاتِنَا وَنُفَخِّمُ وَنَخْدِمُ مَوَالِيَنَا.
قَالَ: وَأَقَامَ خَالِدٌ مُتَحَيِّرًا لَا يَدْرِي أَمَعْزُولٌ أَمْ غَيْرُ مَعْزُولٍ، وَلَا يُعْلِمُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ تَكْرِمَةً وَتَفْخِمَةً. فَلَمَّا تَأَخَّرَ قُدُومُهُ عَلَى عُمَرَ ظَنَّ الَّذِي كَانَ، فَكَتَبَ إِلَى خَالِدٍ بِالْإِقْبَالِ إِلَيْهِ، فَرَجَعَ إِلَى قِنَّسْرِينَ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَوَدَّعَهُمْ، وَرَجَعَ إِلَى حِمْصَ فَخَطَبَهُمْ ثُمَّ سَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ شَكَاهُ وَقَالَ: قَدْ شَكَوْتُكَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَبِاللَّهِ إِنَّكَ فِي أَمْرِي لَغَيْرُ مُجْمِلٍ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مِنْ أَيْنَ هَذَا الثَّرَاءُ؟ قَالَ: مِنَ الْأَنْفَالِ وَالسُّهْمَانِ، مَا زَادَ عَلَى سِتِّينَ أَلْفًا فَلَكَ، فَقَوَّمَ عُمَرُ مَالَهُ فَزَادَ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَجَعَلَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ قَالَ: يَا خَالِدُ وَاللَّهِ إِنَّكَ عَلَيَّ لَكَرِيمٌ، وَإِنَّكَ إِلَيَّ لَحَبِيبٌ. وَكَتَبَ إِلَى الْأَمْصَارِ: إِنِّي لَمْ أَعْزِلْ خَالِدًا عَنْ سُخْطَةٍ وَلَا خِيَانَةٍ، وَلَكِنَّ النَّاسَ فَخَّمُوهُ وَفُتِنُوا بِهِ، فَخِفْتُ أَنْ يُوكَلُوا إِلَيْهِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الصَّانِعُ، وَأَنْ لَا يَكُونُوا بِعَرَضِ فِتْنَةٍ. وَعَوَّضَهُ عَمَّا أُخِذَ مِنْهُ.
وَفِيهَا، أَعْنِي سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، اعْتَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَبَنَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَوَسَّعَ فِيهِ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَهَدَمَ عَلَى قَوْمٍ أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوا، وَوَضَعَ أَثْمَانَ دُورِهِمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى أَخَذُوهَا، وَكَانَتْ عُمْرَتُهُ فِي رَجَبٍ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَأَمَرَ بِتَجْدِيدِ أَنْصَابِ الْحَرَمِ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَالْأَزْهَرَ بْنَ عَبْدِ عَوْفٍ