وفاديتك لورود القرآن به. وفسخت نكاحك؛ لأنه حقيقة فيه. وما عدا هذا، مثل بارأتك وأبرأتك وأبنتك، فكناية. فمتى أتى بالصريح، وقع وإن لم ينو، ولا يقع بالكناية إلا بنية، أو دلالة حال، بأن تطلب الخلع، وتبذل العوض، فيجيبها بذلك؛ لأن دلالة الحال تغني عن النية. ومتى وقع الخلع بلفظ الطلاق، أو نوى به الطلاق، فهو طلاق بائن؛ لأنه لا يحتمل غير الطلاق. وإن خالعها بغير لفظ الطلاق غير ناو به الطلاق، ففيه روايتان:
إحداهما: هو طلاق أيضا؛ لأنه كناية في الطلاق، نوى به فرقتها، فكان طلاقا، كما لو نوى به الطلاق.
والثانية: هو فسخ لقول الله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ثم ذكر الخلع، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] . فلو كان طلاقا، كانت أربعا، ولا خلاف في تحريمها بثلاث؛ ولأنه ليس بصريح في الطلاق، ولا نوى به الطلاق، فلم يكن طلاقا، كغيره من الكنايات. فإذا قلنا: هو طلاق، نقص به عدد طلاقها، ومتى خالعها ثلاثا، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وإن قلنا: هو فسخ، لم ينقص به عدد طلاقها، وحلت له من غير نكاح زوج ثان، ولو خالعها مرارا.
فصل:
وتبين بالخلع على كلتا الروايتين، فلا يملك رجعتها؛ لأنه عقد معاوضة، فلم يملك الرجوع فيما اعتاض عنه، كالبيع، ولا يلحقها طلاقه، ولو واجهها به؛ لأنها بائن، فلم يلحقها طلاقه، كبعد العدة. فإن طلقها بعوض، وشرط الرجعة، فقال ابن حامد: يصح الخلع ويسقط الشرط؛ لأن الخلع لا يفسد بالعوض الفاسد، فلم يفسد بالشرط الفاسد، كالنكاح. قال القاضي: ويسقط المسمى، وله صداقها؛ لأنه إنما رضي به مع الشرط، فإذا فسد الشرط، وجب أن يرجع بما نقص لأجله، فيصير مجهولا، فيفسد ويجب الصداق. ويحتمل أن يجب المسمى؛ لأنه مسمى صحيح، في عقد صحيح، فوجب قياسا على الصداق في النكاح، وفيه وجه آخر: أنه يسقط العوض، وتثبت الرجعة؛ لأن شرط العوض والرجعة يتنافيان، فيسقطان، ويبقى مجرد الطلاق. وإن شرط الخيار في الخلع، بطل الشرط، وصح الخلع؛ لأن الخيار في البيع لا يمنع نقل الملك، ففي الخلع لا يمنع وقوعه. ومتى وقع، فلا سبيل إلى رفعه.