فصل:
فإن مات الموصى له قبل موت الموصي، بطلت الوصية، لأنه مات قبل استحقاقها. فإن مات بعده قبل القبول، فكذلك في قياس المذهب، واختيار ابن حامد، لأنه عقد يفتقر إلى القبول، فبطل بالموت قبل القبول، كالهبة، والبيع. وقال الخرقي: يقوم الوارث مقام الموصى له في القبول والرد، لأنه عقد لازم من أحد طرفيه فلم يبطل بموت من له الخيار، كعقد الرهن. فإن قبل الوارث، ثبت الملك له، فلو وصى لرجل بأبيه، فمات الموصى له قبل القبول، فقبل ابنه، وقلنا بصحة ذلك، فإن الملك ينتقل إلى الموصى له بموت الموصي، ورث الموصى به من أبيه، السدس، لأنا تبينا أنه كان حراً. وإن قلنا: لا ينتقل إلا بالقبول، لم يرث شيئاً، لأنه كان رقيقاً.
ما وصي به من التبرعات، كالهبة والوقف والعتق والمحاباة، اعتبر من الثلث، سواء كانت الوصية في الصحة، أو المرض، لأن لزوم الجميع بعد الموت.
وعنه: أن الوصية في الصحة من رأس المال، والأول أصح. فأما الواجبات، كقضاء الدين والحج والزكاة، فمن رأس المال، لأن حق الورثة بعد أداء الدين، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] . وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن الدين قبل الوصية» رواه الترمذي. والواجب لحق الله بمنزلة الدين. لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دين الله أحق أن يقضى» فإن وصى بها مطلقاً، أو من رأس ماله، فهي من رأس ماله، فإن قال: أخرجوها من ثلثي، أخرجت من الثلث، وتممت من رأس المال. فإن كان معها وصية بتبرع، فقال القاضي: يبدأ بالواجب، فإن فضل عنه من الثلث شيء، فهو للموصى له بالتبرع، فإن لم يفضل شيء، سقط، إلا أن يجيز الورثة. ويحتمل أن يقسم الثلث بين الوصيين بالحصة، فما بقي من الواجب، تمم من الثلثين، فيدخله الدور، ويحتاج إلى العمل بطريق الجبر، فتفرض المسألة فيمن وصى بقضاء دينه، وهو عشرة، ووصى لآخر بعشرة، وتركته ثلاثون، فاجعل تتمة الواجب شيئاً، ثم خذ ثلث الباقي وهو عشرة إلا ثلث شيء، قسمها بين الوصيين، فحصل لقضاء الدين خمسة إلا سدس شيء، إذا أضفت إليه الشيء المأخوذ كان عشرة، فاجبر الخمسة من الشيء بسدسه، يبقى خمسة دنانير وخمسة أسداس شيء تعدل العشرة، فالشيء ستة، وحصل لصاحب الوصية الأخرى أربعة.