فصل:
فصل في العمرى: وهي أن يقول: أعمرتك هذه الدار حياتك، أو جعلتها لك عمرك، أو عمري. ولها ثلاث صور:
إحداهن: أن يقول: أعمرتك هذه الدار حياتك، ولعقبك من بعدك، فهذه هبة صحيحة؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً» رواه أحمد ومسلم.
الثانية: أن يقول: أعمرتكها حياتك. ولم يزد، ففيها روايتان:
إحداهما: هي كالأولى للخبر، وجاء في لفظ: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالعمرى لمن وهبت له» متفق عليه؛ ولأن الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك، وتنتقل إلى الورثة، فلم يكن تقديره بحياته منافياً لحكم الإملاك.
والثانية: يرجع بعد موته إلى المعمر، لما روى جابر قال: «إنما العمرى التي أجازها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت، فإنها ترجع إلى صاحبها» . متفق عليه
الثالثة: أن يقول مع ذلك: فإذا مت عادت إلي إن كنت حياً، أو إلى ورثتي، والرقبى مثل ذلك، إلا أنه يقول: إن مت قبلي، عادت إلي، وإن مت قبلك، فهي لك. أو يقول: أرقبتك داري هذه. وقال مجاهد: هي أن يقول: للآخر مني ومنك موتاً، ففيها روايتان:
إحداهما: هي لازمة لا تعود إلى الأول؛ لعموم الخبر الأول، ولقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ترقبوا، فمن أرقب شيئاً فهو له حياته وموته» ولأنه شرط أن يعود إليه بعدما زال ملكه، فلم يؤثر، كما لو شرطه بعد لزوم العقد.
والثانية: ترجع إلى المعمر والمرقب، لحديث جابر، ولقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤمنون عند شروطهم» وتصح العمرى والرقبى في العقار والثياب والحيوان، لأنها نوع هبة، فجازت في ذلك كله، كسائر الهبات. ولو شرط في الهبة شرطاً منافياً لمقتضاها، نحو أن يقول: وهبتك هذا بشرط ألا تبيعه، أو بشرط أن تبيعه أو تهبه، فسد الشرط. وفي صحة العقد وجهان، بناء على الشروط الفاسدة في البيع، وإن قيدها، فقال: وهبتكها سنة، لم يصح لأنه عقد ناقل للملك في الحياة، أشبه البيع، والله أعلم.