سبيل القربة، فصح مطلقًا، كالعتق. وحكمه حكم منقطع الانتهاء.
فصل
فإن قال: وقفت على هذا العبد، ولم يذكر له مالًا فهو باطل؛ لأنه منقطع الابتداء والانتهاء. وإن جعل له ما لا يجوز الوقف عليه فقال: ثم على المساكين صح؛ لأنه جمع فيه بين ما يجوز وما لا يجوز فصح، كما لو وقفه على أولاده، ثم على البيع، ويحتمل أن يخرج صحته على الروايتين في تفريق الصفقة، فإن قلنا بصحته، وكان من لا يصح الوقف عليه لا يمكن اعتبار انقراضه، كالميت والمجهول، صرف في الحال إلى من يجوز؛ لأن ذكر من لا يجوز كعدمه، وإن أمكن اعتبار انقراضه كعبد معين، احتمل ذلك أيضًا لذلك، واحتمل أن يصرف إلى أقارب الواقف إلى أن ينقرض من لا يجوز الوقف عليه، ثم يصرف إلى من يجوز؛ لأن وقفه على من يجوز مشروط بانقراض من لا يجوز، فكان الوقف قبل ذلك لا مصرف له، فصرف إلى الأقارب، كمنقطع الانتهاء.
فصل
ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه، مثل أن يبني مسجدًا، ويأذن للناس في الصلاة فيه، أو مقبرة، ويأذن لهم في الدفن فيها، أو سقاية ويشرع بابها، ويأذن في دخولها؛ لأن العرف جار به، وفيه دلالة على الوقف، فجاز أن يثبت به كالقول، وجرى مجرى من قدم طعامًا لضيفانه، أو نثر نثارًا، أو صب في خوابي السبيل ماء، وأما القول فألفاظه ستة، ثلاثة صريحة، وهي: وقفت، وحبست، وسبلت، متى أتى بواحدة منها صار وقفًا؛ لأنه ثبت لها عرف الاستعمال، وعرف الشرع بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إن شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها» فصارت كلفظ الطلاق فيه، وثلاثة كناية، وهي: تصدقت، وحرمت، وأبدت، فليست صريحة؛ لأنها مشتركة بين الوقف وغيره من الصدقات والتحريمات، فإن نوى بها الوقف، أو قرن بها لفظًا من الألفاظ الخمسة، أو حكم الوقف، بأن يقول: صدقة محبسة، أو محرمة، أو مؤبدة، أو صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، صار وقفًا؛ لأنه لا يحتمل مع هذه القرائن إلا الوقف.
فصل
ولا يجوز التصرف في الوقف بما ينقل الملك في الرقبة؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عمر: «لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث» ولأن مقتضى الوقف التأبيد، وتحبيس الأصل، بدليل أن ذلك من بعض ألفاظه، والتصرف في رقبته ينافي ذلك.