فصل:

ومن شرع في حفر معدن، ولم يبلغ النيل به، فهو أحق به، كالشارع في الإحياء ولا يملكه، وإن بلغ النيل؛ لأن الإحياء العمارة، وهذا تخريب، فلا يملك به، ولأنه يحتاج في كل جزء إلى عمل، فلا يملك منه إلا ما أخذ. لكن يكون أحق به ما دام يأخذ. وإن حفره إنسان من جانب آخر، فوصل إلى النيل، لم يكن له منعه؛ لأنه لم يملكه.

فصل:

ويجوز الارتفاق بالقعود في الرحاب والشوارع والطرق الواسعة، للبيع والشراء، لاتفاق أهل الأمصار عليه من غير إنكار، ولأنه ارتفاق بمباح من غير إضرار، فلا يمنع منه، كالاجتياز. ومن سبق إليه كان أحق به؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «منى مناخ من سبق» وله أن يظلل عليه بما لا يضر بالمارة؛ لأن الحاجة تدعو إليه من غير ضرر بغيره، وليس له أن يبني دكة ولا غيرها؛ لأنها تضيق، ويعثر بها العابر. فإن قام وترك متاعه، لم يجز لغيره أن يقعد؛ لأن يده لم تزل. وإن طال القعود، ففيه وجهان، سبق توجيههما. وإن سبق إليه اثنان، ففيه وجهان:

أحدهما: يقرع بينهما لتساويهما.

والثاني: يقدم الإمام أحدهما؛ لأن له نظرًا واجتهادًا.

فصل:

في القطائع، هي ضربان: إقطاع، إرفاق، وهي مقاعد الأسواق والرحاب، فللإمام إقطاعها لمن يجلس فيها، فيصير كالسابق إليها، إلا أنه أحق بها، وإن نقل متاعه؛ لأن للإمام النظر الاجتهاد. فإن أقطعه، ثبتت يده عليه بالإقطاع، فلم يكن لغيره أن يقعد فيه.

الضرب الثاني: موات الأرض، فللإمام إقطاعها لمن يحييها؛ لما «روى وائل بن حجر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقطعه أرضًا فأرسل معاوية: أن أعطه إياها، أو أعلمها إياه» حديث صحيح. وأقطع بلال بن الحارث المزني، وأبيض بن حمال المازني، «وأقطع الزبير حضر فرسه» رواه أبو داود.

وأقطع أبو بكر وعمر وعثمان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن أقطعه الإمام شيئًا، لم يملكه؛ لكن يصير كالمتحجر في جميع ما ذكرناه. ولا يقطع من ذلك إلا ما قدر على إحيائه؛ لأن إقطاعه أكثر منه إدخال ضرر على المسلمين بلا فائدة، وقد روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقطع بلال بن الحارث العقيق، فلما كان زمن عمر قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015