التالف. ولا يملك الغاصب المغصوب؛ لأنه لا يصح تمليكه بالبيع، فلا يملكه بالتضمين كالتالف، فإذا قدر عليه، رده وأخذ القيمة؛ لأنها استحقت بالحيلولة، وقد زالت، فوجب ردها، وزيادة القيمة المتصلة للغاصب؛ لأنها تتبع الأصل، والمنفصلة للمغصوب منه؛ لأنها لا تتبع الأصل في الفسخ بالعيب، وهذا فسخ، فأما المغصوب فيرد بزيادته المتصلة والمنفصلة؛ لأن ملك صاحبه لم يزل عنه.
فصل:
وإن غصب أثمانًا، فطالبه مالكها بها في بلد آخر، لزم ردها إليه؛ لأن الأثمان قيم الأموال، فلم يضر اختلاف قيمتها، وإن كان المغصوب من المتقومات، لزم دفع قيمتها في بلد الغصب، وإن كان من المثليات وقيمته في البلدين واحدة، أو هي أقل في البلد الذي لقيه فيه، فله مطالبته بمثله؛ لأنه لا ضرر على الغاصب فيه. وإن كانت أكثر فليس له المثل؛ لأننا لا نكلفه النقل إلى غير البلد الذي غصبه فيه، وله المطالبة بقيمته في بلد الغصب، وفي جميع ذلك متى قدر على المغصوب، أو المثل في بلد الغصب، رده وأخذ القيمة كما لو كان عبدًا فأبق.
فصل:
إذا تلف المغصوب، وهو مما له مثل، كالأثمان والحبوب والأدهان، فإنه يضمن بمثله؛ لأنه يماثله من حيث الصورة والمشاهدة والمعنى والقيمة مماثلة من طريق الظن والاجتهاد، فكان المثل أولى، كالنص مع القياس، فإن تغيرت صفته كرطب صار تمرًا، أو سمسم صار شيرجًا، ضمنه المالك بمثل أيهما شاء؛ لأنه قد ثبت ملكه على واحد من المثلين، فرجع بما شاء منهما. وإن وجب المثل وأعوز وجبت قيمته يوم عوزه؛ لأن يسقط بذلك المثل، وتجب القيمة، فأشبه تلف المتقومات. وقال القاضي: تجب قيمته يوم قبض البدل؛ لأن التلف لم ينقل الوجوب إلى القيمة، بدليل ما لو وجد المثل بعد ذلك، وجب رده، وإن قدر على المثل بأكثر من قيمته، لزمه شراؤه؛ لأنه قدر على أداء الوجوب فلزمه، كما لو قدر على رد المغصوب بغرامة.
فصل:
فإن كان مما لا مثل له، وجبت قيمته؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أعتق شركًا له في عبد، فكان له ما يبلغ ثمن العبد، قوم وأعطي شركاؤه حصصهم» متفق عليه. فأوجب القيمة؛ لأن إيجاب مثله من جهة الخلقة لا يمكن، لاختلاف الجنس الواحد، فكانت القيمة أقرب إلى إبقاء حقه. فإن اختلفت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف نظرت، فإن كان ذلك لمعنى فيه وجبت قيمته أكثر ما كانت؛ لأن معانيه مضمونة