ملك صاحب الأرض فطالبه بالقلع، وله فيه غرض لزمه؛ لأنه فوت عليه غرضًا بالغرس، فلزمه رده، كما لو ترك فيها حجرًا، وإن لم يكن فيه غرض، لم يجبر عليه؛ لأنه سفه، ويحتمل أن يجبر؛ لأن المالك محكم في ملكه، وإن أراد الغاصب قلعه، فللمالك منعه؛ لأنه ملكه، وليس للغاصب فيه إلا أثر الفعل.
فصل:
فإن حفر فيها بئرًا، فطالبه المالك بطمها لزمه؛ لأنه نقل ملكه، وهو التراب من موضعه، فلزمه رده، وإن طلب الغاصب طمها لدفع ضرر، مثل إن جعل ترابها في غير أرض المالك، فله طمها؛ لأنه لا يجبر على إبقاء ما يتضرر به، كإبقاء غرسه، وإن جعل التراب في أرض المالك، لم يبرئه من ضمان ما يتلف بها، فله طمها؛ لأنه يدفع ضرر الضمان عنه، وإن أبرأه من ضمان ما يتلف بها، ففيه وجهان:
أحدهما: يبرأ؛ لأنه لما سقط الضمان بالإذن في حفرها، سقط بالإبراء منها، فعلى هذا لا يملك طمها؛ لأنه لا غرض فيه.
والثاني: لا يبرأ بالإبراء؛ لأنه إنما يكون من واجب، ولم يجب بعد شيء فعلى هذا يملك طمها لغرضه فيه.
فصل:
وإن زرعها، وأخذ زرعه، فعليه أجرة الأرض، وما نقصها، والزرع له؛ لأنه عين بذره نما، وإن أدركها ربها، والزرع قائم، فليس له إجبار الغاصب على القلع، ويخير بين تركه إلى الحصاد بالأجرة، وبين أخذه، ويدفع إلى الغاصب نفقته؛ لما روى رافع بن خديج قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وله نفقته» قال الترمذي: هذا حديث حسن. ولأنه أمكن الجمع بين الحقين بغير إتلاف، فلم يجز الإتلاف، كما لو غصب لوحًا، فرقع به سفينة ملججة في البحر، وفارق الغراس؛ لأنه لا غاية له ينتظر إليها. وفيما يرده من النفقة روايتان:
إحداهما: القيمة؛ لأنه بدل عنه، فتقدرت به، كقيم المتلفات.
والثانية: ما أنفق من البذر ومؤنة الزرع في الحرث وغيره؛ لظاهر الحديث، ولأن قيمة الزرع زادت من أرض المالك، فلم يكن عليه عوضها، وإن أدرك رب الأرض شجر الغاصب مثمرًا، فقال القاضي: للمالك أخذه، وعليه ما أنفقه الغاصب من مؤنة الثمرة كالزرع؛ لأنه في معناه، وظاهر كلام الخرقي: أنه للغاصب؛ لأنه ثمر شجره، فكان له كولد أمته.