فصل:
فإن غصب شيئًا، فخلطه بما يتميز منه، كحنطة بشعير، أو زبيب أحمر بأسود، فعليه تمييزه ورده؛ لأنه أمكن رده، فوجب، كما لو غصب عينًا فبعدها، وإن خلطه بمثله مما لا يتميز، كزيت بزيت، لزمه مثل كيله منه؛ لأنه قدر على دفع بعض ماله إليه، فلم ينتقل إلى البدل في الجميع، كما لو غصب شيئًا، فتلف بعضه.
وهذا ظاهر كلام أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لأنه نص على أنه شريك إذا خلطه بغير جنسه، فنبه على الشركة إذا كان مثله. وقال القاضي: قياس المذهب أنه يلزمه مثله، إن شاء الغاصب منه أو من غيره؛ لأنه تعذر رد عينه، أشبه ما لو أتلفه. وإن خلط بأجود منه، لزمه مثله من حيث شاء الغاصب، فإن دفع إليه منه، لزمه أخذه؛ لأنه أوصل إليه خيرًا من حقه من جنسه. وإن خلطه بدونه، لزمه مثله، فإن اتفقا على أخذ المثل منه جاز، وإن أباه المالك، لم يجبر؛ لأنه دون حقه. وإن طلب ذلك، فأباه الغاصب، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجبر؛ لأن الحق انتقل إلى ذمته، فكانت الخيرة إليه في التعيين.
والثاني: يلزمه؛ لأنه قدر على دفع بعض ماله إليه من غير ضرر، فلزمه، كما لو كان مثله. وإن خلطه بغير جنسه، كزيت بشيرج، لزمه مثله من غيره، وأيهما طلب الدفع منه، فأبى الآخر لم يجبر، وقد قال أحمد في رجل له رطل زيت اختلط برطل شيرج لآخر: يباع الدهن كله، ويعطى كل واحد منهما قدر حصته، فيحتمل أن يختص هذا بما لم يخلطه أحدهما، ويحتمل أن يعم سائر الصور؛ لأنه أمكن أن يصل إلى كل واحد بدل عين ماله، فأشبه ما لو غصب ثوبًا فصبغه. فإن نقص ما يخصه من الثمن عن قيمته مفردًا، ضمن الغاصب نقصه؛ لأنه بفعله، وإن خلطه بما لا قيمة له، كزيت بماء وأمكن تخليصه، وجب تخليصه ورده مع أرش نقصه، وإن لم يمكن تخليصه، أو كان ذلك يفسده، وجب مثله؛ لأنه أتلفه. ولو أعطاه بدل الجيد أكثر منه رديئًا، أو أقل منه وأجود صفة، لم يجز؛ لأنه ربا، إلا أن يكون اختلاطه بغير جنسه فيجوز؛ لأن الربا لا يجوز في جنسين.
فصل:
فإن غصب ثوبًا فصبغه، فلم تزد قيمة الثوب والصبغ ولم تنقص، فهما شريكان يباع الثوب ويقسم ثمنه بينهما؛ لأن الصبغ عين مال، له قيمة، فلم يسقط حقه فيها باتصالها بمال غيره. وإن زادت قيمتهما فالزيادة بينهما؛ لأنها نماء مالهما. وإن نقصت القيمة، ضمنها الغاصب؛ لأن النقص حصل بسببه، وإن زادت قيمة أحدهما لزيادة قيمته في السوق، فالزيادة لمالك ذلك؛ لأنها نماء ماله. وإن بقيت للصبغ قيمة، فأراد