فصل:

وإن خلطها بما لا تتميز منه ضمنها؛ لأنه لا يمكنه رد أعيانها، وإن خلطها بما تتميز منه، كصحاح بمكسرة، وسود ببيض لم يضمن؛ لأنها تتميز من ماله، أشبه ما لو تركها مع أكياس له في صندوقه، وعنه فيمن خلط بيضًا بسود: يضمن، وهذا محمول على أن السود تؤثر في البيض، فيضمنها لذلك، وخرج أبو الخطاب من هذه الرواية: أنه يضمنها إذا خلطها مع التمييز. وإن أودعه دراهم في كيس مشدود، فحله أو خرق ما تحت الشد، أو كسر الختم ضمن ما فيه؛ لأنه هتك الحرز لغير عذر، فإن كانت من غير وعاء، فأخذ منها درهمًا، ضمنه وحده؛ لأنه تعدى فيه وحده، فإن رده إليها، لم يزل ضمانه؛ لأنه ثبت بتعديه فيه، فلم يزل إلا برده إلى مالكه، وإن رد بدله، وكان متميزًا لم يضمن غيره لذلك، وإن لم يتميز، ضمن الكل لخلطه الوديعة بما لا يتميز، وظاهر كلام الخرقي أنه لا يضمن غيره؛ لأنه لا يعجز عن ردها، ورد ما يلزمه رده معها، ومن لزمه الضمان بتعديه، فترك التعدي، لم يبرأ من ضمانها؛ لأن الضمان تعلق بذمته، فلم يبرأ بترك التعدي، كما لو غصب شيئًا من دار، ثم رده إليها، وإن ردها إلى صاحبها، ثم ردها صاحبها إليه برئ؛ لأن هذا وديعة ثانية، وإن أبرأه من الضمان برئ؛ لأن الضمان حقه، فبرئ منه بإبرائه كدينه.

فصل:

فإن أودع بهيمة، فلم يعلفها، ولم يسقها حتى ماتت ضمنها؛ لأن في ذلك هلاكها، فأشبه ما لو لم يحرزها، وإن نهاه المالك عنه فتركه، أثم لحرمة الحيوان، ولم يضمن؛ لأن مالكها أذن في إتلافها، فأشبه ما لو أمره بقتلها، والحكم في النفقة والرجوع كالحكم في نفقة البهائم المرهونة؛ لأنها أمانة مثلها.

فصل:

وإذا أخرج الوديعة من حرزها لمصلحتها، كإخراج الثياب للنشر، والدابة للسقي والعلف على ما جرت به العادة لم يضمن؛ لأن الإذن المطلق يحمل على الحفظ المعتاد، وإن نوى جحد الوديعة، أو إمساكها لنفسه، أو التعدي فيها، ولم يفعل، لم يضمن؛ لأن النية المجردة معفو عنها؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفي لأمتي عن ما حدثت به أنفسها، ما لم تكلم به أو تعمل به» رواه البخاري ومسلم بمعناه.

وإن أخرجها لينتفع بها ضمنها؛ لأنه تصرف فيها بما ينفي مقتضاها فضمنها، كما لو أحرزها في غير حرزها، إن أخذت منه قهرًا لم يضمن؛ لأنه غير مفرط، أشبه ما لو تلفت بفعل الله تعالى، وإن أكره حتى سلمها لم يضمن؛ لأنه مكره، أشبه الأول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015