فصل:
وله أن يؤجر العين؛ لأن الإجارة كالبيع، وبيع المبيع جائز، وكذلك إجارة المستأجر، ويجوز أن يؤجرها للمؤجر وغيره، كما يجوز بيع المبيع للبائع وغيره، فإن أجرها قبل قبضها، لم يجز، ذكره القاضي؛ لأنها لم تدخل في ضمانه، فلم تجز إجارتها، كبيع الطعام قبل قبضه، ويحتمل الجواز؛ لأن المنافع لا تصير مقبوضة بقبض العين، فلم يؤثر قبض العين فيها، ويحتمل أن تجوز إجارتها للمؤجر؛ لأنها في قبضه، ولا تجوز من غيره لعدم ذلك، وتجوز إجارتها بمثل الأجرة وزيادة، كالبيع برأس المال وزيادة، وعنه: إن أحدث في العين زيادة، جازت إجارتها بزيادة، وإن لم يفعل لم يؤجرها بزيادة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن ربح ما لم يضمن» فإن فعل تصدق بالزيادة، وعنه: يجوز بإذن المالك، ولا يجوز بغير إذنه، والمذهب الأول.
فصل:
فإن استوفى أكثر من المنفعة بزيادة متميزة مثل إن اكترى إلى مكان، فجاوزه، أو ليحمل قفيزاً فحمل اثنين لزمه المسمى، لما عقد عليه، وأجرة المثل للزيادة؛ لأنه استوفى المعقود عليه، فاستقر المسمى ولزمته أجرة الزيادة، كما لو اشترى قفيزاً، فقبض اثنين، وإن كانت الزيادة لا تتميز، كرجل اكترى أرضاً ليزرع حنطة فزرع دخناً فكذلك قال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان، ما بين الحنطة والشعير، فيعطي رب الأرض، فأوجب المسمى وزيادة؛ لأنه لما عين الحنطة تعلق العقد بما يماثله في الضرر، فصار مستوفياً للمعقود عليه وزيادة كالتي قبلها، وقال أبو بكر: عليه أجرة المثل للجميع؛ لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره، فلزمته أجرة المثل، كما لو زرع غير الأرض، ولرب الأرض منع المستأجر من زرع الأرض، فإن زرع فحكمه في ذلك حكم الغاصب على ما سيأتي.
فصل:
فإن اكترى أرضاً للزرع مدة، فليس له زرع ما لا يستحصد فيها؛ لأن عليه تسليمها، فارغة عند انتهائها، وهذا يمنع ذلك، وللمالك منعه من زرعه لذلك، فإن فعل، لم يجبر، على قلعه في المدة؛ لأنه مالك لمنفعة الأرض، فإذا انقضت ولم يحصد، خير المالك بين أخذه، ودفع نفقته، وبين تركه بالأجرة لأنه تعدى بزرعه، فأشبه الغاصب، وإن كان بقاؤه بغير تفريط، إما لشدة برد، أو قلة مطر ونحوه، فعلى المؤجر تركه بالأجرة؛ لأنه زرعه بحق، فكان عليه المسمى للمدة، وأجرة المثل للزائد لا غير.