فصل:
ولا بأس أن يؤجر نفسه من الذمي، نص عليه؛ «لأن علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجر نفسه يهودياً، يسقي له كل دلو بتمرة، وأخبر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم ينكره» وأكل أجرته، ولا يؤجر نفسه لخدمته؛ لأنه يتضمن إذلال المسلم للكافر فلم يجز، كبيعه إياه، ويتخرج الجواز؛ لأنه عاوضه عن منفعة، فجاز، كإجارته لعمل شيء.
فصل:
والإجارة على ثلاثة أضرب.
إجارة عين معينة، كالدور، وموصوفة في الذمة، كبعير للركوب، وعقد على عمل في الذمة، كخياطة ثوب وحمل متاع؛ لأن البيع يقع في عين حاضرة وموصوفة، ومقدر معلوم، كقفيز من صبرة، فكذلك الإجارة.
فإن كانت الإجارة لعين معينة، اشترط معرفتها برؤية أو صفة إن كانت تنضبط بالصفات، كالحيوان، فإن لم تنضبط كالدار، والأرض، فلا بد من رؤيتها، كما يشترط ذلك في البيع، وفي استئجار عين لم يرها، ولم توصف له وجهان، بناءً على بيعها، ويشترط معرفة المنفعة، فإن كان لها عرف، كسكنى الدار، لم يحتج إلى ذكرها؛ لأنها لا تكترى إلا لذلك، فاستغنى عن ذكرها، كالبيع بثمن مطلق، في موضع فيه نقد معروف، وإن اكترى أرضاً، احتاج إلى ذكر ما يكتري له، من غراس أو بناء، أو زرع؛ لأنها تكترى لذلك كله، وضرره يختلف، فوجب بيانه، وإن أجرها للزرع مطاقاً صح، وله زرع ما شاء؛ لأنه يجوز أن يستأجرها لأعظم الزرع ضرراً، فإذا أطلق العقد تناوله بإطلاقه، ودخل فيه ما دونه، وإن قال: لتزرعنها ما شئت، فهو أولى بالصحة، لتصريحه بذلك، وإن اكتراها لزرع معين، فله زرعه ومثله في الضرر ودونه؛ لأن الزرع إنما ذكر لتقدير منفعة الأرض، فلم يتعين، كما لو اكترى للسكنى، كان له أن يسكن غيره، وإن قال: لتزرعها أو تغرسها لم يصح؛ لأنه لم يعين، أشبه ما لو باعه أحد هذين العبدين، وإن قال: لتزرعها وتغرسها ما شئت، صح، وله ما شاء منهما؛ لأنه جعلهما له، فملكهما كالنوع الواحد.
فصل:
وإن اكترى ظهراً للركوب، اشترط معرفته، برؤية أو صفة لأنه يصح بيعه بهما، وذكر المهملج والقطوف من الخيل؛ لأن سيرهما يختلف، ومعرفة ما يركب به من سرج أو غيره؛ لأنه يختلف بالمركوب والراكب، ولا يحتاج إلى ذكر الذكورية والأنوثية؛ لأن التفاوت بينهما يسير، وقال القاضي: يفتقر إلى معرفته لتفاوتهما، ولا بد من معرفة الراكب برؤية أو صفة، ذكره الخرقي؛ لأن الصفة تكفي في بيع مثله، وقال الشريف: لا يجزئ فيه إلا الرؤية؛ لأن الصفة لا تأتي عليه، ولا بد من معرفة المحامل والأغطية،