على الضمان كشركة الوجوه، وإن أجراهما على حمل شيء، اختص كل واحد منها بأجرة دابته، ولا شركة؛ لأنه لم يجب الحمل في ذمته، وإنما استحق المكتري منفعة هذه البهيمة التي استأجرها، ولهذا تنفسخ الإجارة بموتها، ولا يصح أن يكون كل واحد منهما وكيل صاحبه في إجارة دابة نفسه، ولهذا لو قال: أجر دابتك وأجرها بيني وبينك، لم يصح.
فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل، فله أجرة مثله؛ لأنها منافع وفاها بشبهة عقد.
فصل:
فإن دفع دابته إلى رجل يعمل عليها، أو عبده ليكتسب، ويكون ما يحصل بينهما نصفين، أو أثلاثاً، صح، نص عليه؛ لأنها عين تنمى بالعمل عليها، فجاز العقد عليها ببعض نمائها، كالشجر في المساقاة، ونقل عنه أبو داود فيمن يعطي الفرس على نصف الغنيمة: أرجو أن لا يكون به بأس، ووجهه ما ذكرناه، وإن دفع ثياباً إلى خياط ليخيطها ويبيعها، وله جزء من ربحها، أو غزلاً لينسجه ثوباً بثلث ثمنه، أو ربعه، جاز، وإن جعل معه دراهم، لم يجز، وعنه: الجواز، والأول المذهب؛ لأنه لا يجوز أن يشترط في المساقاة دراهم معلومة، وإنما أجاز أحمد ذلك تشبيهاً بالمساقاة، قال: نراه جائزاً؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى خيبر على الشطر.
فصل:
وإن دفع رجل بغلة، وآخر راوية إلى رجل، ليستقي وما رزقهم الله بينهم، فقياس المذهب صحته؛ لأن كل واحدة منها عين تنمى بالعمل عليها، فصح دفعها بجزء من النماء كالتي قبلها، وقال القاضي: لا يصح، لأن المشاركة بالعروض لا تصح، والأجرة للعامل؛ لأنه ملك الماء باغترافه في الإناء، ولصاحبيه أجرة المثل؛ لأنه استوفى منافع ملكهما بشبه عقد، ولو اشترك صانعان على أن يعملا بأداة أحدهما في بيت الآخر، والكسب بينهما، صح؛ لأن الأجرة على عملهما، وبه يستحق الربح، ولا يستحق بالآلة والبيت شيء، إنما يستعملانها في العمل، فصارا كالدابتين في الشركة، ولو اشترك صاحب بغل وراوية على أن يؤجراهما، والأجرة بينهما، لم يصح؛ لأن حاصله أن كل واحد منهما يؤجر ملكه، ويعطي الآخر من أجرته، وليس بصحيح، والأجرة كلها لمالك البهيمة؛ لأنه صاحب الأصل، والآخر أجرة مثله.
فصل:
الضرب الثالث: شركة الوجوه وهو: أن يشترك رجلان فيما يشتريان بجاههما، وثقة التجار بهما من غير أن يكون لهما رأس مال، على أن ما اشترياه فهو بينهما على ما