فصل
فإن مات إنسان، وعليه دين مؤجل، ففيه روايتان:
إحداهما: لا يحل، اختارها الخرقي، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ترك حقاً فلورثته» والتأجيل حق له. فينتقل إلى ورثته؛ لأنه لا يحل به ماله، فلا يحل ما عليه كالجنون.
والثاني: يحل؛ لأن بقاءه ضرر على الميت لبقاء ذمته مرتهنة به، وعلى الوارث لمنعه التصرف في التركة، وعلى الغريم تأخير حقه، وربما تلفت التركة، وعلى كلتا الروايتين يتعلق الحق بالتركة، كتعلق الأرش بالجاني، ويمنع الوارث التصرف فيها إلا برضى الغريم، أو توثيق الحق بضمين مليء، أو رهن يفيء بالحق إن كان مؤجلاً، فإنهم قد يكونون أملياء، فيؤدي تصرفهم إلى فوات الحق، فإن تصرفوا قبل ذلك، صح تصرفهم كتصرف السيد في الجاني، ويلزمهم أقل الأمرين من قضاء الدين، أو قيمة التركة؛ لأنه لا يلزمهم أكثر من وفاء الدين، ولا أكثر من التركة، ولهذا لو كانت باقية، لم يلزمهم أكثر من تسليمها. وإن تلفت التركة قبل التصرف فيها والتوثيق منها، سقط الحق كما لو تلف الجاني. وإن قضى الورثة الدين من غير التركة أو منها، جاز. وإن أبى الجميع، باع الحاكم من التركة ما يقضي به الدين. وإن مات المفلس وعليه دين مؤجل، فوثق الورثة للمؤجل، اختص أصحاب الحالة بالتركة، وإن أبوا ذلك، حل دينه فشاركهم، لئلا يفضي إلى إسقاط دينه بالكية.
فصل
وإذا حجر على المفلس، وهو ذو كسب يفيء بمؤنته ومؤنة من تلزمه مؤنته، فلذلك في كسبه؛ لأن ماله لا يخرج فيما لا حاجة إلى إخراجه فيه. وإن لم يف كسبه بمؤنته، كملناها من ماله. وإن لم يكن ذا كسب، أنفق عليه وعلى من تلزمه مؤنته من ماله بالمعروف في مدة الحجر؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» وفيمن يعوله من تكون نفقته ديناً، كالزوجة. وإذا قدم نفقة نفسه على نفقة الزوجة، وجب تقديمها على سائر الديون، ولأن تجهيز الميت يقدم على دينه اتفاقاً، فنفقة الحي أولى؛ لأن حرمته آكد من حرمة الميت. ويقدم نفقة من تلزمه مؤنته من أقاربه؛ لأنهم جروا مجراه، وكذلك عتقوا عليه إذا ملكهم. وكذلك نفقة زوجته؛ لأنها آكد من نفقة أقاربه، وتجب كسوتهم أيضاً؛ لأن ذلك مما لا بد منه، ويكون ذلك من أدنى ما ينفق على مثلهم، أو