ومن لزمه دين مؤجل، لم يجز مطالبته به؛ لأنه لا يلزمه أداؤه قبل أجله، ولا يجوز الحجر عليه به؛ لأنه لا يستحق المطالبة به، فلم يملك منعه من ماله بسببه، فإن أراد سفراً يحل دينه قبل قدومه منه، فلغريمه منعه، إلا برهن أو ضمين مليء؛ لأنه ليس له تأخير الحق عن محله، وفي السفر تأخيره. وإن لم يكن كذلك، ففيه روايتان:
إحداهما: له منعه؛ لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر، فملك منعه منه كالأول.
والثانية: ليس له منعه؛ لأنه لا يملك المطالبة به في الحال، ولا يعلم أن السفر مانع منها عند الحلول، فأشبه السفر القصير. وإن كان الدين حالاً، والغريم معسراً، لم تجز مطالبته، لقول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ولا يملك حبسه ولا ملازمته؛ لأنه دين لا يملك المطالبة به، فلم يملك به ذلك، كالمؤجل. فإن كان ذا صنعة، ففيه روايتان:
إحداهما: يجبر على إجارة نفسه؛ لما «روي أن رجلاً دخل المدينة، وذكر أن وراءه مالاً، فداينه الناس، ولم يكن وراءه مال، فسماه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرقا، وباعه بخمسة أبعر» ، وروى الدارقطني نحوه وفيه أربعة أبعرة. والحر لا يباع، فعلم أنه باع منافعه، ولأن الإجارة عقد معاوضة، فجاز أن يجبر عليه، كبيع ماله، وإجارة أم ولده.
والثانية: لا يجبر؛ لما روى أبو سعيد: «أن رجلاً أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تصدقوا عليه فتصدقوا عليه، فلم يبلغ وفاء دينه، فقال النبي