العقد يفتقر إلى القبض، ولا يحصل القبض إلا بفعله، أو إمكانه، ثم هل يفتقر إلى إذن الراهن في القبض، على وجهين:
أحدهما: لا يفتقر إليه؛ لأن إقراره عليه كإذنه فيه.
والثاني: يفتقر؛ لأنه قبض يلزم به عقد غير لازم، فافتقر إلى الإذن كما لو لم يكن في يده.
فصل
وإذا أذن في القبض، ثم رجع عنه قبل القبض، أو قبل مضي مدة يتأتى القبض فيها، لما في يده، فهو كمن لم يأذن؛ لأن الإذن قد زال. وإن أذن فيه ثم جن أو أغمي عليه، زال الإذن؛ لخروجه عن كونه من أهله. ويقوم ولي المجنون مقامه، إن رأى الحظ في القبض، أذن فيه، وإلا فلا. وإن تصرف الراهن في الرهن قبل قبضه، بعتق أو هبة أو بيع أو جعله مهراً، بطل الرهن؛ لأن هذه التصرفات تمنع الرهن، فانفسخ بها. وإن رهنه، بطل الأول؛ لأن المقصود منه ينافي الأول. وإن دبره، أو أجره أو زوج الأمة، لم يبطل الرهن؛ لأن هذه التصرفات لا تمنع البيع، فلا تمنع صحة الرهن. وإن كاتب العبد ـ وقلنا: يصح رهن المكاتب ـ لم يبطل بكتابته؛ لأنه لا ينافيها. وإن قلنا: لا يصح رهنه، بطل بها لتنافيها.
فصل
وإن مات أحد المتراهنين، لم يبطل الرهن؛ لأنه عقد لا يبطله الجنون، أو مآله إلى اللزوم، فلم يبطله الموت كبيع الخيار. ويقوم وارث الميت مقامه في الإقباض والقبض، فإن لم يكن على الراهن دين سوى دين الرهن، فلوارثه إقباضه. وإن كان عليه دين سواه، فليس له إقباضه؛ لأنه لا يملك تخصيص بعض الغرماء برهن. وعنه: له إقباضه؛ لأن المرتهن لم يرض بمجرد الذمة، بخلاف غيره. والأول أولى؛ لأن حقوق الغرماء تعلقت بالتركة قبل لزوم حقه، فلم يجز تخصيصه بغير رضاهم، كما لو أفلس الراهن، فإن أذن الغرماء في إقباضه، جاز؛ لأن الحق لهم، فإذا قبضه، لزم، سواء مات قبل الإذن في القبض أو بعده.
فصل
وإن حجر على الراهن قبل القبض، لم يملك إقباضه فإن كان الحجر لسفه، قام وليه مقامه كما لو جن، وإن كان لفلس، لم يجز لأحد إقباضه إلا بإذن الغرماء؛ لأن فيه تخصيص المرتهن بثمنه دونهم.