الرهن بما ليس بثابت في الذمة، كالثمن المتعين، والأجرة المتعينة، والمنافع المعينة. نحو أن يقول: أجرتك داري هذه شهراً؛ لأن العين لا يمكن استيفاؤها من الرهن، ويبطل العقد بتلفها. وقياس هذا أنه لا يصح الرهن بالأعيان المضمونة، كالمغصوب والعارية والمقبوض على وجه السوم؛ لتعذر استيفاء العين من الرهن. وإن جعله بقيمتها كان رهناً بما لم يجب. ولا يعلم أن مآله إلى الوجوب.
وقال القاضي: قياس المذهب صحة الرهن بها؛ لصحة الكفالة بها.
فصل
ويصح الرهن بالحق بعد ثبوته. لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] إلى قوله: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] . ومع ثبوته وهو أن يشترط الرهن في عقد البيع أو القرض؛ لأن الحاجة داعية إليه. فإنه لو لم يشترطه، لم يلزم الغريم الرهن. وإن رهن قبل الحق، لم يصح في ظاهر المذهب. اختاره أبو بكر والقاضي؛ لأنه تابع للدين، فلا يجوز قبله كالشهادة. واختار أبو الخطاب: صحته. فإذا دفع إليه رهناً على عشرة دراهم يقرضه إياه، ثم أقرضه، لزم الرهن؛ لأنه وثيقة بحق، فجاز عقدها قبله كالضمان.
فصل
ولا يلزم الرهن من جهة المرتهن؛ لأن العقد لِحَظِّهِ وحده، فكان له فسخه كالمضمون له. ويلزمه من جهة الراهن؛ لأن الحظ لغيره فلزمه من جهته، كالضمان في حق الضامن، ولأنه وثيقة فأشبه الضمان. ولا يلزم إلا بالقبض؛ لقول الله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] . ولأنه عقد إرفاق، فافتقر إلى القبض كالقرض. وعنه في غير المكيل والموزون: أنه يلزم بمجرد العقد، قياساً على البيع. والأول: المذهب؛ لأن البيع معاوضة، وهذا إرفاق، فهو أشبه بالقرض. وإذا كان الرهن في يد الراهن، لم يجز قبضه إلا بإذنه؛ لأنه له قبل القبض، فلا يملك المرتهن إسقاط حقه بغير إذنه، كالموهوب. وإن كان في يد المرتهن، فظاهر كلامه لزومه، بمجرد العقد؛ لأن يده ثابتة عليه، وإنما يعتبر الحكم فقط، فلم يحتج إلى قبض، كما لو منع الوديعة صارت مضمونة. وقال القاضي وأصحابه: لا يلزمه حتى تمضي مدة يتأتى قبضه فيها، ولو كان غائباً، لا يصير مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله، ثم تمضي مدة يمكن قبضه فيها؛ لأن