ولا يجوز القرض إلا في معلوم القدر، فإن أقرضه فضة لا يعلم وزنها، أو مكيلاً لا يعلم كيله، لم يجز؛ لأن القرض يقتضي رد المثل، وإذا لم يعلم، لم يتمكن من القضاء.
فصل
ويجب رد المثل في المثليات؛ لأنه يجب مثله في الإتلاف، ففي القرض أولى. فإن أعوز المثل، فعليه قيمته حين أعوز؛ لأنها حينئذ ثبت في الذمة. وفي غير المثلي وجهان:
أحدهما: يرد القيمة؛ لأن ما أوجب المثل في المثلي أوجب القيمة في غيره، كالإتلاف.
والثاني: يرد المثل؛ لما روى أبو رافع «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استسلف من رجل بَكراً، فقدمت عليه إبل للصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكره، فرجع إليه أبو رافع، فقال: يا رسول الله لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: أعطه إياه، فإن من خير الناس أحسنهم قضاء» رواه مسلم. ولأن ما يثبت في الذمة في السلم ثبت في القرض كالمثلي، بخلاف الإتلاف، فإنه عدوان، فأوجب القيمة؛ لأنه أحصر. والقرض ثبت للرفق، فهو أسهل. فعلى هذا يعتبر مثله في الصفات تقريباً، فإن قلنا: يرد القيمة اعتبرت حين القرض؛ لأنها حينئذ تجب.
فصل
ويجوز قرض الخبز، ورد مثله عدداً بغير وزن في الشيء اليسير. وعنه: لا يجوز إلا بالوزن، قياساً على الموزونات. ووجه الأول ما روت «عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، إن الجيران يقترضون الخبز والخمير، ويردون زيادة ونقصاناً. فقال: لا بأس، إنما ذلك من مرافق الناس» وعن «معاذ: أنه سئل عن اقتراض الخبز والخمير فقال: سبحان الله! إنما هذا من مكارم الأخلاق، فخذ الكبير وأعط الصغير، وخذ الصغير وأعط الكبير، خيركم أحسنكم قضاء، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول ذلك» . رواهما أبو بكر في الشافي.