فصل
وإن تعذر تسليم السلم عند المحل، فللمسلم الخيار بين أن يصبر إلى أن يوجد، وبين فسخ العقد، والرجوع برأس ماله، إن كان موجوداً، أو مثله، إن كان مثلياً، أو قيمته إن لم يكن مثلياً، وقيل: ينفسخ العقد بالتعذر؛ لأن المسلم في ثمرة هذا العام وقد هلكت، فانفسخ العقد، كما لو اشترى قفيزاً من صبرة، فهلكت. والأول أصح؛ لأن السلم في الذمة لا في عين، وإنما لزمه الدفع من ثمرة هذا العام، لتمكنه من دفع الواجب منها، فإن تعذر البعض، فله الخيرة بين الصبر بالباقي، وبين الفسخ في الجميع. وله أخذ الموجود، والفسخ في الباقي في أصح الوجهين؛ لأنه فسخ في بعض المعقود عليه أشبه البيع، وفي الآخر: لا يجوز؛ لأن السلم يقل فيه الثمن لأجل التأجيل، فإذا فسخ في البعض، بقي البعض بالباقي من الثمن، وبمنفعة الجزء الذي فسخ فيه، فلم يجز، كما لو شرطه في ابتداء العقد. وتجوز الإقالة في السلم كله إجماعاً وتجوز في بعضه؛ لأن الإقالة معروف، جاز في الكل، فجاز في البعض كالإبراء.
وعنه: لا يجوز، لما ذكرنا في الفسخ، والأول أصح؛ لأن باقي الثمن يستحق باقي العوض. وإذا فسخ العقد، رجع بالثمن، أو ببدله إن كان معدوماً. وليس له صرفه في عقد آخر قبل قبضه، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلم في شيء، فلا يصرفه إلى غيره» .
وقال القاضي: يجوز أخذ العوض عنه؛ لأنه عوض مستقر في الذمة، فأشبه القرض. فعلى هذا يصير حكمه حكم القرض على ما سيأتي.
فصل
ولا يجوز بيع السلم قبل قبضه، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، وعن بيع ما لم يضمن» . رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ولفظه: لا يحل، ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه، فلم يجز بيعه، كالطعام قبل قبضه. ولا يجوز التولية فيه، ولا الشركة، لما ذكرنا في الطعام، ولا الحوالة به؛ لأنها إنما تجوز بدين مستقر، والسلم بعوض الفسخ. ولا تجوز الحوالة على من عليه سلم؛ لأنها معاوضة بالسلم قبل قبضه. ولا يجوز بيع السلم من بائعه قبل قبضه؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلم في شيء، فلا يصرفه إلى غيره» ولأنه بيع للمسلم فيه، فلم يجز كبيعه من غيره.
فصل
وإذا قبضه فوجده معيبا، فله رده وطلب حقه؛ لأن العقد يقتضي السلامة وقد أخذ المعيب عما في الذمة، فإذا رده، رجع إلى ما في الذمة. وإن حدث فيه عيب عنده، فهو كما لو حدث العيب في المبيع بعد قبضه على ما مضى.