واختلفت الرواية في علة الربا ثلاث روايات. فأشهرهن: أن علته في الذهب والفضة الوزن والجنس، وفي غيرهما الكيل والجنس، لما روي عن عمار أنه قال: العبد خير من العبدين، والثوب خير من الثوبين، فما كان يداً بيد فلا بأس به، إنما الربا في النساء إلا ما كيل أو وزن. ولأنه لو كانت العلة الطعم لجرى الربا في الماء، لأنه مطعوم، قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] فعلى هذا يحرم التفاضل في كل مكيل، أو موزون من جنس، سواء كان مطعوماً كالقطنيات، أو غير مطعوم كالأشنان والحديد. ويجري الربا فيما كان جنسه مكيلاً أو موزوناً، وإن تعذر الكيل فيه أو الوزن، إما لقلته، كالتمرة والقبضة وإما دون الأرزة من الذهب والفضة، وإما لعظمه كالزبرة العظيمة، وإما للعادة كلحم الطير، لأنه من جنس فيه الربا، فجرى فيه الربا كالزبرة العظيمة. وما نسج من القطن والكتان لا ربا فيه نص عليه، لحديث عمار وما عمل من الحديد ونحوه ما كان يقصد وزنه جرى فيه الربا، لأنه تقصد زنته، فجرى فيه الربا، كلحم الطير، وما لا تقصد زنته لا يجري فيه الربا كالثياب. والرواية الثانية: العلة في الذهب والفضة: الثمينة غالباً، وفيها عداهما كونه مطعوم جنس، لما روى معمر بن عبد الله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى عن بيع الطعام إلا مثلاً بمثل» . رواه مسلم. ولأنه لو كان الوزن علة فلم يجز إسلام النقد في الموزنات، لأن اجتماع المالين في أحد وصفي علة ربا الفضل يمنع النساء، بدليل إسلام المكيل في المكيل، فعلى هذه الرواية يحرم التفاضل في كل مطعوم بيع بجنسه من الأقوات، والأدام والفواكه والأدوية والأدهان المطيبة وغيرها. وإن لم يكن مكيلاً ولا موزوناً، كالبطيخ والرمان والبيض ونحوها. والرواية الثالثة: العلة كونه مطعوم جنس مكيلاً أو موزوناً، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الطعام إلا مثلاً بمثل» . والمماثلة المعتبرة هي المماثلة في الكيل والوزن، فدل على أنه لا يحرم إلا في مطعوم يكال أو يوزن، ولا يحرم فيما لا يطعم كالأشنان والحديد، ولا فيما لا يكال كالبطيخ والرمان.
فصل:
وما يجري فيه الربا اعتبرت المماثلة فيه في المكيل كيلاً، وفي الموزون وزناً، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذهب بالذهب وزناً بوزن، والفضة بالفضة وزناً بوزن، والبر بالبر كيلاً بكيل، والشعير بالشعير كيلاً بكيل» رواه الأثرم. ولا يجوز بيع مكيل بجنسه وزناً، ولا موزون كيلاً للخبر، ولأنه لا يلزم من تساويهما في أحد المعيارين التساوي في الآخر، لتفاوتهما في الثقل والخفة، ولا يجوز بيع بعضه ببعض جزافاً من الطرفين، ولا من