إياه ليحتمي بذلك، ولا يردان بيعاً حقيقياً فلا يصح لأنهما ما قصداه فهو كبيع المكره.
وهو على ضربين:
أحدهما: خيار المجلس، فلكل واحد من المتبايعين الخيار في فسخ البيع ما لم يتفرقا بأبدانهما، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البيعان في الخيار ما لم يتفرقا» متفق عليه. والتفرق: أن يمشي أحدهما عن صاحبه بحيث إذا كلمه الكلام المعتاد في المجلس لا يسمعه، لأن ابن عمر كان إذا بايع رجلاً، فأراد أن لا يقيله مشى هنيهة، ثم رجع وهو راوي الحديث، وأعلم بمعناه، ولأن الشرع ورد بالتفرق مطلقاً فوجب أن يحتمل على التفرق المعهود، وهو يحصل بما ذكرناه. فإن لم يتفرقا بل بني بينهما حاجز، أو أرخي بينهما ستر أو نحوه أو ناما أو قاما عن مجلسهما فمشيا معاً، فهما على خيارهما، لأنهما لم يتفرقا. وإن فر أحدهما من صاحبه بطل خيارهما، لأن ابن عمر كان يفارق صاحبه بغير أمره، ولأن الرضى في الفرقة غير معتبر، كما لا يعتبر الرضى في الفسخ، وإن أكرها على التفريق ففيه وجهان:
أحدهما: يبطل الخيار، لأنه لا يعتبر الرضى من أحد الجانبين، فكذلك منهما.
والثاني: لا يبطل لأنه معنى يلزم به البيع فلا يلزم به مع الإكراه كالتخاير، فعلى هذا يكون الخيار لهما في المجلس الذي زال عنهما الإكراه فيه حتى يفارقاه، فإن أكره أحدهما بطل خيار الآخر، كما لو هرب منه، وللمكره الخيار في أحد الوجهين.
فصل:
فإن تبايعا على أن لا خيار بينهما، أو قالا: بعد البيع اخترنا إمضاء العقد، أو أجزنا العقد، ففيه روايتان:
إحداهما: هما على خيارهما، لعموم الخبر.
والثانية: لا خيار لهما، لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يخير أحدهما صاحبه، فإن خير أحدهما صاحبه، فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع» .