فصل:
ولا يجوز أن يبيع عيناً لا يملكها ليمضي ويشتريها ويسلمها، لما روى حكيم بن حزام أنه قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الرجل يأتيني يلتمس من البيع ما ليس عندي، فأمضي إلى السوق فأشتريه ثم أبيعه منه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا تبع ما ليس عندك» حديث صحيح. ولأنه بيع ما لا يقدر على تسليمه أشبه بيع الطير في الهواء فإن باع مال غيره بغير إذنه، ففيه روايتان:
إحداهما: لا يصح لذلك.
والثانية: يصح، ويقف على إجازة المالك، فإن أجازه جاز، وإن أبطله بطل، لما «روى عروة بن الجعد البارقي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاه ديناراً ليشتري به شاة، فاشترى به شاتين، ثم باع إحداهما بدينار في الطريق، قال: فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدينار وبالشاة فأخبرته، فقال: بارك الله لك في صفقة يمينك» رواه الإمام أحمد والأثرم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فوقف على إجازته كالوصية. وإن اشترى بعين مال غيره شيئاً بغير إذنه فهو كبيعه، فإن اشترى له شيئاً بغير إذنه بثمن في ذمته، ثم نقد ثمنه من مال الغير صح الشراء لأنه تصرف في ذمته لا في مال غيره، ويقف على إجازة المشتري له، لأنه قصد الشراء له، فإن أجازه لزمه وإن لم يجزه لزم من اشتراه، لأنه لا يلزمه ما لم يأذن فيه، والبيع صحيح فيلزم المشتري، فإن باع مال غيره، وهو حاضر، فلم ينكر ذلك فهو كبيعه في غيبته، فإن السكوت ليس بإذن، فإنه محتمل كغير الإذن، فلا يتعين كونه إذناً والله أعلم.
وهي بيوع محرمه، لما روى أبو هريرة أن رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد» متفق عليه. ومعنى النجش: أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغتر به المشتري، ويقتدي به فهو حرام، لأنه خداع، والشراء صحيح. وعنه: أنه باطل، لأن النهي يقتضي الفساد، والأولى أصح لأن النهي عاد إلى غير العقد، فلم يؤثر فيه، وللمشتري الخيار إن غبن غبناً يخرج عن العادة، سواء كان بمواطأة من البائع، أو لم يكن، لأنه غبن للتغرير